زيارة الجمعية الشيعية البحرينية (الوفاق) إلى مصر ...ودور الازهر الشريف

Submitted by dody on سبت, 10/15/2011 - 14:31

زيارة الجمعية الشيعية البحرينية (الوفاق) إلى مصر ... ودور الأزهر الشريف

عجلان ابراهيم

باحث فى الشئون السياسية

ليست مصادفة ان تظل مصر كالعهد بها دائما كعبة العرب ومركز الجذب القومى للجميع حتى فى ظل الظروف الراهنة التى تعيشها اليوم فى اعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير، فالجميع يتساءل عن الدور المصرى حيال قضايا الامة العربية سواء أكانت داخلية ام خارجية، إدراكا من الجميع ان مسئولية الشقيقة الاكبر ستظل دائما عبء عليها. وهو ما يتجلى فى الازمة التى عاشتها البحرين خلال شهرى فبراير ومارس الماضيين، وما تعرضت له من تحديات وتهديدات كادت ان تعصف بكيان الدولة بسبب التدخلات الخارجية بتنسيق مع بعض القوى الداخلية التى كشفت ممارساتها اليومية عن تغيير انتماءها بعيدا عن الانتماء الوطنى لتستبدله بانتماءات اخرى طائفية ومذهبية. ولولا حكمة القيادة السياسية التى انتهجت خطوات عملية وسريعة لمواجهة تلك المخططات وافشال ما حاك لها فى ظلمة الليل الدامس، سواء بالتوجه الى مجلس التعاون الخليجى ليتحمل مسئولياته القومية تجاه امن اعضاءه، حيث سارع بارسال قوات درع الجزيرة للوقوف الى جانب المملكة فى ازمتها التى تبدو فى ظاهرها ازمة داخلية وإن اخفت فى باطنها ازمة خارجية تعلقت بوجود ايدى خافية تحرك الاحداث وتوجه المسارات كى تتفق ومصالح تلك القوى الخارجية. ولم يقتصر الامر على ذلك فحسب، بل سارعت القيادة السياسية الى تشكيل لجنة تقصى حقائق دولية للوقوف على الانتهاكات التى وقعت من جميع الاطراف: الحكومة واجهزتها من جانب واولئك المخربين من جانب اخر، سعيا الى تحقيق العدالة وسيادة القانون كمبادئ حاكمة لسياسة المملكة الداخلية منذ بدء العهد الاصلاحى الجديد مع بدايات الالفية الثالثة، هذا فضلا عن الدعوة الى حوار للتوافق الوطنى يعيد ترتيب البيت من الداخل بصورة تعكس التوافقات الوطنية والاتفاقات المجتمعية من خلال الوصول الى مخرجات تمثل خريطة طريق لبدء مرحلة جديدة لاستكمال المسيرة الاصلاحية التى انتهجتها المملكة.

ولكن، يظل ثمة تساؤلا ولغطا كثير فى الساحة الاسلامية والعربية بوجه عام والساحة البحرينية على وجه الخصوص، ويتعلق هذا التساؤل بمدى الخلط الذى يثيره البعض بين الاعتراف الذى اعلنه الازهر الشريف منذ ما يقرب من 55 عاما بالمذهب الشيعى الاثنى عشر كمذهب فقهى كبقية مذاهب الامة وبين الممارسات اللاقانونية التى يرتكبها انصار هذا المذهب او من يتخذونه مذهبا عقائديا لهم؟ بمعنى اكثر وضوحا، هل يحق للبعض ارتكاب المخالفات السياسية والقانونية بحجة انهم ينتمون الى مذهب مغاير لمذهب اهل البلد، سواء كانت تلك المخالفات تتعلق بالممارسات اليومية والخروج على الارادة الوطنية او الاحتكام الى القواعد الدستورية والقانونية التى توافق عليها الجميع، او كانت تتعلق بالعمل على نشر هذا المذهب واستغلال ظروف ما او اوضاع متردية لتصديره ونشره لدى العامة كما يحدث الان فى مصر وكثير من البلدان العربية؟

والحقيقة أن ثمة أمرين لابد من التأكيد عليهم فى هذا الخصوص:

الاول، أنه يجب التفرقة جيدا بين الديانة او المذهب او الطائفة التى يؤمن بها البعض وبين ممارساتهم وسياساتهم، فاذا كان صحيحا ان الدين او المذهب العقائدى يُعد بمثابة الاطار العام الحاكم والمنظم لحياة الانسان، فإنه من الصحيح ايضا ألا يُتخذ الدين او المذهب كذريعة يستغلها البعض ويقوم بتوظيفها من اجل تحقيق مكاسب ومغانم على حساب الاخرين، فاذا كانت اليهودية الصحيحة معترف بها كديانة سماوية، فإنه من الواجب التفرقة بين اليهودية كديانة والصهيونية كسياسة تخالف كافة القيم والمبادئ التى جاءت بها التوراه.

الثانى، أن ثمة مسئولية دينية كبيرة يتحملها الازهر الشريف كونه المرجع الديني الأول للمذهب السني في العالم فى مواجهة كافة الانحرافات والخروقات التى يقوم بها البعض، فإذا كان صحيحا ان الازهر الشريف اتخذ فى فترات سابقة مواقف حيال العديد من القضايا كان بها كثير من اللبس واللغط كما حدث فى قرار الشيخ محمود شلتوت بانشاء "دار التقريب بين المذاهب الاسلامية" والتى تم احياء نشاطها فى عهد شيخ الازهر الراحل محمد سيد طنطاوى بعد توقُّف دام أكثر من 50 عامًا، في اجتماع عُقد بالقاهرة في 30 مارس 2007، شارك فيه الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، فإنه اضحى من ضرورات الوقت واولويات المرحلة الراهنة ان يعيد الازهر النظر فى تلك المواقف اذا تراءى له ان ثمة سوء نية مبيت لدى البعض لاستغلال تلك السماحة الدينية والرحابة الفكرية التى اتسم بها الازهر كمؤسسة دينية وفكرية وعلمية، وسعوا إلى توظيفها لمصالحهم بعيدا عن مقاصدها الرئيسية، وهو ما فطن اليه شيخ الازهر الحالى الاستاذ الدكتور احمد الطيب ليعلن للجميع:"أن ما يذاع فى القنوات الشيعية يصب فى مصلحة إسرائيل والغرب ويسعى إلى تفتيت الأمة الاسلامية، وأنه على المراجع الدينية فى النجف وقم أن يتبرأوا من كل من يسب الصحابة الكرام والسيدة عائشة رضى الله عنها وكل القصائد الباطلة لو كانوا يريدون الحفاظ على وحدة الأمة الاسلامية"، ومحذرا من ان الهدف من هذه الممارسات والسياسات:"هو إثارة النَّعَرات الطائفية، ورفع رايات العصبية، مذهبية كانت أو عنصرية، والتى لا يقتصر خطرُها على تهديد مجتمعاتنا العربية وتمزيق نسيجها الاجتماعى، وحياتها الآمنة ووشائجها الوثيقة منذ مئات السنين، بل يُهددُّ كذلك بتدخُّل قوى مترصِّدة خارجية وإقليمية (فى إشارة إلى إيران)، تتخِذُ الصراع المذهبى والخلل الاجتماعى، سبيلًا للتدخُّل والهيمنة، والاستبداد بمصير المنطقة، (إشارة للوضع بالسعودية والبحرين)".

ومن نافلة القول ان ما كشف عنه شيخ الازهر يؤكد على ان النيات المبيتة والمقاصد المستهدفة تصب كلها ضد مصلحة المسلمين ووحدتهم، وهو ما يجعلنا نتفق مع ما اشار اليه شيخ الازهر بقوله:"أن الأزهر إلى الآن يضبط نفسه حفاظا على وحدة المسلمين؛ لكن إذا لم تتم السيطرة على هذه الحالة فستكون للأزهر خيارات فكرية أخرى". ومن هنا نضع امام شيخ الازهر الرؤية التى طرحها عالم الدين السعودي الدكتور أحمد بن سعد الغامدي والتى طالب فيها الازهر الشريف، انه كى يتم الاعتراف بالمذهب "الاثني عشري" الشيعي "وجعله مذهباً فقهياً كبقية مذاهب الأمة، مرهونا بامرين، هما:

الاول، أن يطلب الأزهر من أعلى مرجع شيعي في المذهب الشيعي اصدار بيان يعترف فيه بأن المذهب الشيعي (الاثني عشري) مذهب كبقية المذاهب الإسلامية، لا يؤمن بمصدر للدين غير المصدرَيْن (القرآن والسنة)، وأن أقوال الأئمة التي اعتمد عليها المذهب وسَمَّوها باسم 'مذهب آل البيت' ليست مثل أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا ترقى إليه، وأن الأقوال الصادرة منهم أقوال قابلة للخطأ والصواب كغيرهم من علماء الأمة المجتهدين.

الثانى، فى حالة اذا لم يتحقق الشرط الاول، فعلي الأزهر الشريف ان يعيد النظر فيما اتخذه من قرار منذ 55 عاما تقريبا، حينما قام كل من شيخ الأزهر الراحل محمود شلتوت والمرجع الشيعي تقي الدين القمي بتأسيس دار التقريب، بحيث يعلن أنهذا المذهب الإمامي الاثني عشري لا تتوافر فيه شروط المذاهب الإسلامية المعتمدة التي تعتمد مصدرَيْن أساسين للتشريع، وأنه لا عصمة لأحد من الأمة غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن الأقوال الصادرة من غير النبي - صلى الله عليه وسلم - قابلة للخطأ والصواب".

خلاصة القول، انه اذا كانت الزيارة المرتقبة لوفد جمعية الوفاق البحرينية الشيعية يستهدف التواصل مع مصر قيادة وشعبا ومؤسسات، فإنه على الجميع ان يدرك ان تلك الزيارة تأتى ضمن مخطط يحاك للعالم الاسلامى السنى، ويعلم الجميع ما تمثله مصر بازهرها الشريف ومؤسساتها الدينية ومكانتها الحضارية من ثقل يستهدفه الجميع. وهو ما يلقى بعبء المسئولية على علماء الازهر الافاضل وعلى رأسهم شيخ الازهر فى الانتباه جيدا الى هذه الرسائل وتلك الخطوات التى لا تستهدف خيرا ولا تستهدى حقا وإنما تسعى الى التفتيت والتشتيت وخلق الفرقة والانقسام فى صفوف الامة الاسلامية.