تصاعد التفجيرات لضمان بقاء واشنطن فى العراق

Submitted by dody on ثلاثاء, 10/04/2011 - 23:31

تصاعد التفجيرات لضمان بقاء واشنطن في العراق

عطا السيد الشعراوى

خبير فى الشئون العربية

في خضم ما بات يعرف ربيع الثورات العربية ، أصبح الوضع في العراق بعيداً عن دائرة الضوء والاهتمام ، لكن ما أعاد العراق إلى واجهة الأحداث مرة أخرى سلسة الهجمات  التي ضربت العراق في الفترة الأخيرة ومنها سلسلة التفجيرات التي وقعت في الخامس والعشرين من شهر سبتمبر الماضي أمام مبنى دائرة الجنسية وسط كربلاء ، حيث كان يصطف عدد من المواطنين أمام مقر استخراج بطاقات الهوية وجوازات السفر، مما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.

وفي التاسع والعشرين من شهر رمضان الماضي استهدف هجوم انتحاري مسجد أم القرى أكبر مسجد سنى في العاصمة بغداد وأودى بحياة 28 شخصًا على الأقل وجرح 37 آخرون أثناء أداء صلاة التراويح.

سبق هذا الانفجار، سلسلة من الهجمات المتزامنة هزت عشر مدن عراقية وأسفرت عن مقتل 74 عراقيا على الأقل وأصيب أكثر من 300 بجروح  في منتصف شهر أغسطس الماضي، وكذلك إعلان تنظيم “دولة العراق الإسلامية “ الفرع العراقي لتنظيم القاعدة انه أطلق في منتصف شهر أغسطس هجوما جديدا يشمل مئة عملية انتحارية وتفجير واغتيال في كل أنحاء العراق وذلك في إطار المرحلة الثالثة من “خطة حصاد الخير” التي تهدف إلى الثأر لمقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن.

وتحمل هذه التطورات أكثر من دلالة أبرزها الرغبة الأمريكية في البقاء وعدم الانسحاب من العراق ، حيث تنص الاتفاقية الأمنية الموقعة بين الحكومة العراقية والإدارة الأمريكية عام 2008 على انسحاب القوات الأمريكية المتبقية في العراق والبالغ عددها 47 ألف جندي، بنهاية العام الحالي 2011.

فمن الواضح أن الولايات المتحدة ربما تعمد إلى السماح ببعض التفجيرات لإعطاء رسائل تحذيرية للمواطن والحكومة العراقية والقوى السياسية الرافضة للوجود الأمريكي بأنه في خطر يحتم بقاء القوات الأمريكية في العراق لما بعد العام الجاري ، وذلك بالنظر إلى مجموعة من الشواهد والتطورات منها تزامن التفجيرات والهجمات مع بدء محادثات الحكومة العراقية مع واشنطن حول مسألة تدريب القوات العراقية حتى ما بعد نهاية العام الحالي.

وقد ذكر تقرير صادر عن وكالة أمريكية معنية بإعادة إعمار العراق في نهاية يوليو الماضي أن الأوضاع الأمنية أصبحت أكثر خطورة مقارنة بالعام الماضي. وقال المفتش العام الأمريكي الخاص لشؤون إعادة إعمار العراق “ستيوارت بوين جونيور” إنه قد لوحظ في الآونة الأخيرة زيادة وتيرة أعمال قتل الجنود الأمريكيين واغتيال المسؤولين العراقيين والانفجارات والهجمات على المنطقة الخضراء في بغداد.

ورأى التقرير إن انتقال مسؤولية تدريب الشرطة العراقية من الجيش الأمريكي إلى السفارة الأمريكية سيواجه صعوبات بسبب قصور الإمكانيات لدى وزارة الخارجية.

وهذا يعني أن واشنطن تلجأ إلى تسريب التقارير التي تصب في اتجاه استمرار تواجدها العسكري في العراق .

كما يثير موضوع انسحاب القوات الأمريكية من العراق انقسامًا شديدًا بين القوى السياسية العراقية وصل إلى حد تحذير رجل الدين الشيعي “مقتدى الصدر” من استهداف المدربين العسكريين الأمريكيين إذا بقوا في العراق بعد نهاية العام الجاري.

ولهذا، فإن تصاعد وتيرة التفجيرات قد تولد القناعة لدى جميع القوى السياسية وخاصة التيار الصدري بضرورة بقاء القوات الأمريكية بالعراق لحين تكون المؤسسات الأمنية العراقية قادرة على تولى مسؤولية الأمن.

ويمكن النظر إلى تصريح وزير الدفاع الأمريكي “ليون بانيتا” في الثامن عشر من أغسطس الماضي بان العراقيين وافقوا أخيرا على أنهم يحتاجون إلى مدربين أمريكيين للبقاء في العراق، وان مباحثات تجرى حاليا بين الطرفين حول تفاصيل الوجود العسكري الأمريكي في العراق مستقبلا ، على أنه يشير صراحة إلى وجود رغبة أمريكية في البقاء بالعراق وأنهم يحاولون بكل الطرق إيجاد المبررات لذلك الوجود.

وقد دأبت واشنطن في الفترة الأخيرة بصفة خاصة على إطلاق التحذيرات من وجود تهديدات لأمن العراق واستقراره وخاصة من إيران والقول بأن الجيش العراقي لم يكتمل بناؤه بعد وليس قادرا على مواجهة التحديات والتهديدات الخارجية التي يمكن أن تتعرض لها البلاد، وبحاجة إلى المساعدة، ومن بينها تحذير البنتاغون من ارتفاع وتيرة الهجمات على القوات الأمريكية من مسلحين مدعومين من إيران.

وفي أعقاب هجمات منتصف أغسطس ، قال المتحدث باسم القوات الأميركية في العراق اللواء جيفري بوكانان إن المليشيات المدعومة من إيران، وليس تنظيم القاعدة في العراق، تشكل أخطر تهديد لمستقبل البلاد ، وأضاف أن الجيش وجد مخابئ للصواريخ مزودة من إيران ومصنعة في 2010.

وأشار بوكانان إلى وجود ما بين 800 وألف فرد من القاعدة في العراق، وأن معظمهم من المقاتلين المحليين. وقال إن المقاتلين الأجانب عددهم هزيل. وبالمقارنة فإن مجموعة مليشيا مدعومة من إيران، معروفة باسم “لواء اليوم الموعود”، لديها عدة آلاف عضو.

كما يقول الأمريكيون أن هناك ثغرات واضحة في القدرات العسكرية العراقية بشكل عام، وعلى الأخص في القوات الجوية والبحرية، وأنها بحاجة إلى مزيد من التدريب.

خلاصة القول، إن ارتفاع وتيرة التفجيرات بات هدفًا أمريكيًا لضمان البقاء في العراق ، والمؤكد أن هذا البقاء هو لتحقيق المصالح الأمريكية التي من أجلها احتلت العراق ، كما أن المؤكد أيضًا أن هذا الوجود العسكري الأمريكي لن يحقق الأمن بالعراق بل سيجعله ساحة لتصفية الحسابات الداخلية والإقليمية والدولية على حساب أمنه الذي لن يتحقق إلا بسواعد أبنائه المخلصين .