الصندوق الوطنى لتعويض المتضررين فى البحرين: خطوة فى سلسلة المصالحات الوطنية

Submitted by a.eldariby on اثنين, 09/26/2011 - 01:56

الصندوق الوطني لتعويض المتضررين فى البحرين: خطوة فى سلسلة المصالحات الوطنية

عطا السيد الشعراوى

خبير فى الشئون الخليجية

لم تكن مصادفة ان يصدر العاهل البحرينى الملك حمد بن عيسى آل خليفة مرسوما ملكيا رقم 30 لسنة 2011 بانشاء الصندوق الوطني لتعويض المتضررين من الاحداث المأسوية التى شهدت مملكة البحرين خلال شهرى فبراير ومارس 2011م، أو نتيجة لحوادث مماثلة من ذات الطبيعة حدثت بعد هذا التاريخ. وإذا كان صحيحا أنه يمثل سابقة فريدة ونقلة نوعية في الفكر والممارسة القانونيتين على مستوى احترام مبادئ حقوق الإنسان ليس فقط فى المملكة وإنما على مستوى المنطقة برمتها، فللمرة الاولى يتشكل مثل هذا الصندوق الذى يعكس مدى حرص القيادة السياسية في التعامل مع أي ادعاء بإساءة المعاملة سواء بواسطة رجال الأمن أو الموظفين العموميين أو الأفراد، سعيا إلى ترسيخ وتعزيز قيم التسامح والإخاء والمودة بين الأسرة البحرينية الواحدة التي نجحت فى مواجهة المخاطر التى كادت ان تعصف بوجود الدولة وكيانها. إلا انه من الصحيح أيضا أنه يأتى منسجما مع الممارسات الفضلى في القانون الدولي لمساعدة المتضررين الذين يستحقون التعويض، حيث يأتى إعمالاً للمبادئ الأساسية التوجيهية بشأن الحق في الانتصاف والجبر لضحايا الانتهاكات الجسمية للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي والصادر بها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (60/147) في 16 ديسمبر 2005.

وتكشف القراءة المتأنية فى نصوص المرسوم الملكى بانشاء هذا الصندوق عن مجموعة من الملاحظات المهمة الجديرة بالتسجيل، وأبرزها ما يلى:

اولا- يعتبر التعويض المدني الذي سيقدمه الصندوق للضحايا هو حق أصيل ومكفول إنسانيا وحقوقيا وقانونيا لمن انتهكت حقوقه وفق ما يقره القضاء من إدانة لشخص أو جهة، وأن هذا التعويض المكفول قضائيا تنص عليه التشريعات المحلية ذات العلاقة التي تعتبر متطورة في مضمونها خاصة وأنه يُشترط لصرف المساعدة للتعويض صدور حكم جنائي نهائي من المحكمة المختصة بإدانة مرتكب الفعل.

ثانيا- تعكس تبعية الصندوق لوزارة حقوق الانسان والتنمية الاجتماعية أمرين مهمين: الاول،  تلمس القيادة السياسية لضرورة جبر الضرر الذى لحق ببعض المواطنين بطريقة مؤسسية، تتفق ومقتضيات دولة المؤسسات والقانون. الثانى، حرص القيادة السياسية على ان يضم الصندوق فى عضويته كفاءات وطنية وخبرات في العمل الاداري والمحاسبي والحقوقي بما يمكنه من الاضطلاع بالمهام المسندة له في ضوء التكليف الملكي.

ثالثا- حرصت القيادة السياسية فى صدور هذا المرسوم ان يأتى منظما بصورة شاملة لكافة جوانب القضية لضمان كفاءة الاداء ووصول الحقوق الى اصحابها، فقد حدد المرسوم الفئات التى يحق لها التقدم بطلبات التعويض الى الصندوق على سبيل الحصر سواء اكانوا هم المجنى عليهم او اقاربهم حتى الدرجة الرابعة او من يعولونهم، مشترطا لصرف المساعدة للتعويض صدور حكم جنائي نهائي من المحكمة المختصة بإدانة مرتكب الفعل، وشملت هذه الفئات كل من:

  • اي شخص أصيب بأضرار مادية أو معنوية أو جسدية بسبب قوات الأمن العام أو الموظفين العموميين.
  • أي فرد من أفراد قوات الأمن العام أو أي موظف عام أصابته أضرار مادية أو معنوية أو جسدية أثناء أو بسبب تأديته لوظيفته وتسبب فيها أي من الاشخاص.
  • أي شخص آخر لحقته اضرار مادية أو معنوية أو جسدية بسبب تلك الاحداث أو بسبب تدخله لمساعدة المجني عليهم المذكورين وذلك في محنتهم او لمنع إيذائهم.

رابعا- حرصت القيادة السياسية على ضمان استقلالية الصندوق من خلال النص على ان يكون للصندوق ميزانية مستقلة، تتكون موارده مما يلى:

  • الاعتمادات المالية المخصصة للصندوق ضمن الميزانية العامة للدولة.
  • المبالغ التي يحصلها الصندوق نتيجة رجوعه على المتسبب في الضرر.
  • الهبات والإعانات والمنح والتبرعات التي يتلقاها الصندوق ويقرر الوزير قبولها.
  • عائد استثمار أموال الصندوق.

خلاصة القول أنه إذا كان صحيحا أن انشاء هذا الصندوق يأتى ضمن المبادرات الانسانية التى تطلقها القيادة السياسية فى المملكة والهادفة إلى لحفاظ على اللحمة الوطنية بين ابناء الوطن الواحد الذى كشفت الاحداث المأسوية عن مدى تماسك جذوره التى تستمد قوتها من ولائها لقياداتها وانتماءها العميق لوطنها، إلا انه من الصحيح أيضا ان ثمة امانة ومسئولية يتحملها القائمون على هذا الصندوق فى سعيهم الى ترجمة التوجيهات الملكية الى واقع ملموس يتلمسه المواطن البحرينى ويشعر فى ضوءه ان حصوله على حقوقه فى ضوء العدالة الناجزة قضية محسومة على ارض المملكة.