اهل السنة فى ايران: اضطهاد سياسى وقمع مذهبى

Submitted by a.eldariby on اثنين, 09/19/2011 - 21:57

اهل السنة فى ايران: اضطهاد سياسى وقمع مذهبى

احمد متولى بدوى

باحث فى الشئون السياسية

"هل رأيتم موضعا فى العالم يمنع الناس من الصلاة فى منزل أو فى بيت ؟" تساؤل جاء على لسان امام أهل السنة فى ايران عبد الحميد الزهى، مستنكرا الأحداث والوقائع الأخيرة التى شهدت العاصمة الايرانية طهران فى اواخر اغسطس 2011 ليلة عيد الفطر، بقيام السلطات الأمنية بمنع المصلين السنة فى العاصمة من اقامة صلاة العيد فى منازلهم، كما منعتهم من الصلاة فى ساحات العراء نظرا لعدم وجود اية مساجد لأهل السنة فى العاصمة طهران، بل الاسوأ من ذلك اجبرتهم على الصلاة خلف قائد الثورة الايرانية آية الله على خامنئى، متناسية التباينات بين المذهبين، ففى الوقت الذى يجيز المذهب السنى لاهله اقامة صلاة العيد إما داخل المساجد     او خارجها بل تعتبر الصلاة فى العراء من السنة المستحبة طبقا لهذا المذهب، نجد على الجانب الاخر، يقصر المذهب الشيعى الصلاة داخل المساجد فحسب. ولا يقتصر الامر على ذلك، بل سجل الواقع جملة من التجاوزات ترتكبها ايران بحق حيال مختلف الاقليات العرقية والدينية والمذهبية الموجودة بها، رغم ما تدعيه دائما بحرصها على الظهور بمظهر المدافع عن حقوق تلك الاقليات فى مختلف دول العالم تماشيا مع واحد من مبادئ ثورتها القائم على المظلومية والدفاع عن المظلومين فى مختلف انحاء العالم. فاذا كان صحيحا ان الدستور الايرانى والتشريعات تنص على تحريم سياسة التمييز العرقى والدينى والطائفى، إلا انه من الصحيح ايضا ان الممارسات اليومية تمثل خرقا وانتهاكا لتلك النصوص بحق المختلف عرقيا ودينيا ومذهبيا بصفة عامة وبالنسبة لاهل السنة على وجه الخصوص، وهو ما يفتح المجال واسعا لطرح جملة من التساؤلات حول حجم الانتهاكات التى ترتكبها ايران بحق اهل السنة؟ وما هى ابرز صور الاضطهاد التى يعانيها ابناء المذهب السنى هناك؟ وهل تقتصر على المناطق ذات الاقلية السنية ام تمتد الى المناطق التى يقطنها اغلبية سنية كما هو الحال فى اقليم الاحواز؟ وما هى السياسات التى يجب انتهاجها سواء من جانب هؤلاء السكان لمواجهة تلك الانتهاكات؟ وما هو دور الدول الاسلامية فى وقف تلك التجاوزات؟

بداية، يمكن القول ان السياسة الايرانية فى تعاملها مع المختلف معها عرقيا ودينيا ومذهبيا تؤكد على منهجيتها وايمان القائمين على الامر فى الدولة الايرانية بصحة منهجها، فمن الصعوبة بمكان ان يدعى المسئولون الايرانيون انها ممارسات فردية او تجاوزات شخصية، وإنما الواقع يؤكد على انها سياسة دولة ممنهجة طبقا لرؤية المسئولين فى رفض الاخر المختلف والعمل على اقصاءه والنظر اليه نظرة دونية تجعله مواطن من الدرجة الثانية محروم من حقوقه كافة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكما سبق الاشارة، اذا كانت هذه الانتهاكات تخص جميع الاقليات الموجودة فى ايران، فإنها تبرز بصورة جلية فى فشل الدولة فى تعاملها مع اهل السنة كما يشير إلى ذلك امام أهل السنة فى ايران "عبد الحميد الزهى" بقوله:"إن التمييز الطائفى مازال موجودا فى ايران .... وأن المسؤليين الايرانيين فشلو فى تحقيق الوحدة الحقيقية والتوازن النسبى فى اعطاء الحقوق". ويمكن تسجيل ابرز تلك الانتهاكات فيما يلى:

أولاً- محاولة القضاء على عقيدة أهل السنة والجماعة، وذلك من خلال ما يلى:

  1. منع ائمة جوامع أهل السنة من حرية بيان عقائدهم على المنابر فى خطب يوم الجمعة.
  2. سجن العلماء وشباب أهل السنة دون جريمة ارتكبوها سوى تمسكهم بعقيدتهم ودفاعهم عن حقوقهم ومعتقداتهم.
  3. عدم السماح لأهل السنة ببناء مساجدهم ومدارسهم خاصة فى المناطق ذات الاكثرية الشيعية مثل العاصمة طهران وأصفهان وغيرها من المدن الكبيرة، فعلى سبيل المثال، رغم وجود ما يتراوح ما بين نصف المليون إلى المليون طبقا للتقديرات المختلفة من أهل السنة  فى العاصمة طهران، إلا ان السلطات الايرانية لم تسمح لهم ببناء مسجدا لإقامة شعائرهم فى حين سمح للمسيحين ببناء كنائسهم. ولا يقتصر الامر على ذلك فحسب، بل تقوم الدولة على العكس من ذلك ببناء المساجد والمدارس الشيعية فى المناطق ذات الاغلبية السنية.
  4. تزداد الانتهاكات والتجاوزات بصورة فجة، حينما يتجاوز الامر مجرد حرمان اهل السنة من بناء المساجد والمدارس، ليصل الى قيام الدولة بهدم مساجدهم ومدارسهم كما حدث فى محافظة بلوشستان، حيث قامت السلطات الايرانية بهدم مسجد (فيض) الخاص بأهل السنة فى مدينة مشهد، واراقة دماء المصلين فى مسجد (المكى) أكبر مسجد لأهل السنة فى مدينة زاهدان، واحتلال المسجد والمدرسة الدينية التابعة له من قبل الحرس الثورى الايرانى والمخابرات الايرانية.
  5. استخدام جميع وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية لنشر مذهبهم وعقيدتهم، مع حرمان اهل السنة من انشاء وسائل اعلامية خاصة بهم، وإنما يقتصر الامر على تخصيص ساعة واحدة فقط فى الاعلام المرئى لهم، وفى تلك الساعة تحاول بث برامج لا علاقة لها بالمذهب والعقيدة وإنما تخصصها للحديث عن انجازاتها وسياساتها.

ثانيا- محاولة الاخلال بالوضع الاقتصادى لأهل السنة ووضعه فى حالة متدهورة، وذلك من خلال:

  • التضييق على أبناء السنة فى الالتحاق بالمدارس ومن ثم جعل مستواهم التعليمى منخفض وبالتالى يتم حرمانهم من الوظائف الأمر الذى ينعكس على ظروفهم المعيشية.
  • حرمان مزارعى اهل السنة من أى خدمات تساعدهم فى تحسن انتاجيتهم من المحاصيل، على العكس مما يحصل عليه امثالهم من الشيعة.

ثالثا- التهميش السياسى:

انتهجت ايران العديد من الممارسات الهادفة الى التهميش السياسى للمواطنين الايرانين من اهل السنة على المستويات كافة الرسمى منها وغير الرسمى، بدءا من نصوص الدستور الايرانى التى اشترطت فيمن يترشح لرئاسة الدولة ان ينتمى الى المذهب الجعفرى الاثنى عشر ليحرم المخالفين فى الانتماء المذهبى وليس الدينى من حق الترشح فى معارضة صريحة لقيمة المواطنة وحقوق المواطنين فى الوصول الى جميع المناصب التى تتولى ادارة الدولة. فضلا عن ذلك يظل تمثليهم فى البرلمان الايرانى (مجلس الشورى) تمثيلا مجحفا بحقهم كمواطنين، فمن بين 290 نائبا لا يتجاوز نصيب اهل السنة اكثر من 15 نائبا فى احسن الاحوال وإن تراجع عن هذا العدد فى الكثير منه، علاوة على ذلك تحرمهم الدولة من شغل الوظائف الحكومية الرفيعة، حيث يكاد يقتصر الامر على المنتمين الى المذهب الشيعى فحسب، كما يحرم اهل السنة من اقامة كيانات مجتمعية تدافع عن حقوقهم او تقدم اليهم الخدمات والمساعدات التى تحرم الدولة مواطنيها من الحصول عليها، بل يمتد التهميش من مستواه السياسى الى جانبه الثقافى من خلال حظر طباعة ونشر كتب أهل السنة وفى احسن الاحوال وضع العراقيل والشروط المجحفة والتعجيزية لطباعة هذه الكتب.

وفى ضوء كل هذه الانتهاكات والتجاوزات، يظل ثمة تساؤلا مطروحا اين يقف العالم العربى والاسلامى من تلك الممارسات اللاانسانية؟ هل نجحت ايران فى حجب كل تلك الممارسات عن اعين العالم؟ أم ثمة ضعف عربى واسلامى حيال ايران التى ترفع شعارا مخادعا فى الدفاع عن الاسلام؟

والحقيقة انه اذا كان صحيحا ان ايران فى انتهاج سياسة التعتيم الاعلامى وتكميم الأفواه للتستر على ممارساتها القمعية ضد اهل السنة، وذلك من خلال التعامل مع الصحفيين والاعلاميين بصرامة شديدة فى حال عدم تنفيذ تعليمات النظام، مستخدمة فى ذلك آلة الاعلام الموجة والمتمثلة فى قنواتها التليفزيونية وصحفها ومواقعها الالكترونية، إلا انه من الصحيح ايضا يظل العالم العربى والاسلامى متحملا لمسئولياته حيال تلك الانتهاكات التى تتعارض مع كافة القيم الدينية والانسانية، لتفرض عليه اللحظة الراهنة بصعوباتها ومقتضياتها سرعة التحرك على أكثر من مستوى وفى اكثر من اتجاه، وإن ظلت اكثر اهمية ما يلى:

  • دعم ومساندة صمود جماعات أهل السنة الايرانيين فى مواجهة هذه السلطات الوحشية للانتصار الى عقيدتهم ووطنيتهم، من خلال تقديم المساعدات اللوجستية والمعونات الاقتصادية.
  • العمل على تفعيل اعلامها بمختلف وسائله وجميع آلياته، لكشف الممارسات الايرانية وفضحها امام الراى العام الداخلى والخارجى.
  • استخدام جميع وسائل التواصل الاجتماعى كالفيس بوك فى انشاء جروبات تنادى بالوقوف الى جانب اهل السنة فى ايران والدعوة للاحتجاجات السلمية الدولية فى محاولة لتضامن الشعوب العربية والاسلامية.
  • عقد الندوات واللقاءات والمؤتمرات الدولية والاقليمية لالقاء الضوء عن انتهاكات حقوق الاقليات عامة والاقلية الاحوازية السنية فى ايران كخطوة اولية لكسب تأييد الرأى العام العالمى لمساندة حقوقهم المسلوبة.
  • تفعيل دور المنظمات الدولية والاقليمية المعنية بقضايا الشعوب وحقوقها، كأن تتقدم الدول العربية والاسلامية فى الامم المتحدة بطلب لادراج قضية الاحواز ومعاناتهم على جدول اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة. وفى الاطار ذاته، تفعيل دور كل من منظمة التعاون الاسلامى طبقا لنصوص ميثاقها فى الدفاع عن حقوق المسلمين وعقيدتهم، وكذلك دور الجامعة العربية بصفة عامة ومنظمة دول مجلس التعاون الخليجى على وجه الخصوص لكشف تلك الانتهاكات وفضحها، وممارسة ضغوط على الجارة الايرانية لوقف تجاوزاتها بحق هذه الفئة.
  • الوقوف على القضية من قبل حكام الدول العربية والاسلامية من مبدأ كونها لاتقل اهمية عن القضية الفلسطينية فى محاولة لاعطاء كل ذى حق حقه.

ولا شك ان كل هذه الجهود تظل خطوات اولية على طريق المساعدة المطلوبة للوقوف فى وجه دولة قمعية عنصرية أخرى لا تقل فى همجيتها وقمعيتها عن دولة الكيان الاسرائيلى فى ممارسته بحق الشعب الفلسطينى.