الحكومات الوطنية ومهام بناء الاوطان: البحرين نموذجا

Submitted by a.eldariby on اثنين, 09/12/2011 - 21:23

الحكومات الوطنية ومهام بناء الأوطان: البحرين نموذجا

---

عطا السيد الشعراوى

خبير فى الشئون الخليجية

اذا كان صحيحا ان الزمان لا يُرى ولا يُراقب، إلا انه من الصحيح ايضا انه بالتفاعل البشرى يصبح سجلا من الاحداث تكشف عن عمق الرؤية وصحة التفكير وسلامة المنهج التى ينتهجها بنى البشر فى تنظيم حياتهم ورسم خطط مستقبلهم. واذ ينطبق هذا القول على البشر فى شئونهم الخاصة وحياتهم الاجتماعية، فإنه ينطبق بصورة جلية على شئون الدولة وتنظيم امور مواطنيها. فبؤس الدول والمجتمعات يتجلى اذا كان القائمون على امورها لا يملكون افكار عن المستقبل بقدر ما يملكون افكار عن الماضى، يحاولون جاهدين لتطبيقها دون نقد او تحليل رغم انها صناعة بشرية قابلة للتعديل بالحذف او الاضافة، وهو ما يجعل مصير دولهم او اوطانهم مرهونا بالرجوع الى الخلف والعيش على هامش الزمان وخارج نطاقه يعتقدون ان الماضى هو خزينة الاسرار ومخزن الاعمار، فيسجون ماضيهم فى غرف مغلقة يخرجون منه ما يرغبون فيه طبقا لمعتقداتهم دون النظر الى ما تتطلبه الحياه من تقدم وتطور يجعل من ثابت الفكر البشرى متغير قابل للتطوير والتعديل. وعلى الجانب الاخر، لا يقتصر بؤس الدولة على اولئك فحسب، بل يمتد هذا البؤس كذلك الى اولئك الحالمون باحلام يعيشونها خيالا لا واقعا، فيجعلون مصير مجتمعهم معلقا فى الفضاء، ليخلق بذلك اعمق شرخ فى حياة المجتمع بين طموحات خيالية وواقع حياتى مأسوى. بين هذا وذلك تبرز الامم والدول والشعوب الناهضة التى تدرك قادتها ورجالاتها ان العرش ليس وليمة او غنيمة وإنما هو تاج العدل بين الناس يحمله القادرون على تطبيق متطلباته، حيث يرسمون طموحات دولهم استجابة لرغبات مواطنيهم وتلبية لاحتياجاتهم فى ضوء قدرات دولهم ومواردها وثرواتها دون افراط او تفريط.

فى ضوء تلك الآراء واستصحابا لتوجهاتها وقراءة لما تعيشه المنطقة العربية اليوم من تحولات ومستجدات وتطورات توجب على الجميع ان يستقرأ احداثها الحاضرة فى ضوء خبراتها الماضية ليستطيع رسم خطوط مستقبلها دون ركون الى ماضى تليد او التشوق الى مستقبل بعيد، تبرز بين تلك القراءات المتنوعة، قراءة عميقة لتجربة فريدة نجحت قادتها فى الوصول ببلدهم الى برالامان والخروج من عنق الازمات الى رحابة السياسات الرامية الى اتخاذ القرارات الرشيدة التى تستهدف استكمال خطوات التنمية والرفاهية والتقدم لمواطنيها، تمثلت تلك التجربة فيما تعيشه مملكة البحرين من واقع يتطلب التعامل معه بدراية وحذر، فمنذ ما يقرب من ستة اشهر وتحديدا خلال شهرى فبراير ومارس 2011 شهدت المملكة احداثا مؤسفة كادت ان تأتى على الاخضر واليابس وتنهى عقودا من التنمية وسنوات الاصلاح الشامل الذى ساهم فى وضع المملكة على خريطة العالم بصورة تليق بتاريخ شعبها وحضارة امتها، فاذا كان صحيحا ان التاريخ سجل فى دفاتره النجاح الذى حققته الحكومة البحرينية منذ حصول المملكة على استقلالها فى الحفاظ على وحدة اراضيها وصون حقوق مواطينها وحرياتهم مع توفير مستوى لائق للمعيشة رغم محدودية الثروات وضيق المساحة واطماع بعض دول الجوار (ايران على وجه التحديد)، ورغم ما واجهته المنطقة من حروب بعض اقليمى (حرب الخليج الاولى بين العراق وايران) وبعضها دولي (حرب الخليج الثانية – حرب تحرير الكويت- وحرب الخليج الثالثة – الحرب الامريكية البريطانية على العراق)، إلا انها استطاعت ان تجتاز تلك المحن وان تتغلب على هذه الصعاب وان تحافظ على كيان الدولة البحرينية وعلى استقلالية قراراتها وخصوصيته سياساتها. ولم تدخر جهدا مع ما انتهجه العاهل البحرينى مع بدء توليه السلطة فى اوائل الالفية الثالثة واطلاقه مشروعا اصلاحيا استهدف تحقيق نهضة حقيقة وشاملة فى كافة مناحى الحياة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا، فقد سارعت الحكومة البحرينية بوضع الخطط المنهجية والبرامج التنفيذية لضمان نجاح هذا المشروع الذى استهدف مصلحة المجتمع ومستقبل الوطن. ورغم ما تحقق من نجاحات فى هذا المضمار على مختلف المستويات عبر عنها المكانة المرموقة التى تبوأتها المملكة بين اقطار العالم بصفة عامة ودول المنطقة على وجه الخصوص وهو ما اكدته مختلف التقارير الدولية برصدها للتطور الذى شهدته المملكة على مختلف الاصعدة.

واستكمالا لتلك المسئولية واستنهاضا لعزمها على استكمال الطريق دون كلل او ملل او تكاسل او تراجع، سارعت بكل مجهودها الى التفاعل بايجابية مع الدعوة الملكية التى اطلقها العاهل البحرينى لحوار التوافق الوطنى باعتبارها الالية الفعالة والوسيلة الضامنة للخروج بالبلاد من ازمة طاحنة خطط لها القائمون بها فى ظلم الليل الحالك طامحين الى العودة بالبلاد الى مربع الصفر وتحويلها من دولة مستقلة ذات سيادة الى دولة تابعة لدولة جارة طامعة بعودة امبراطورية مزعومة لا وجود لها الا فى مخيلة البعض اصحاب العقول المريضة. وقد نجح رئيس الحكومة الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة بحنكته المعهودة وخبرته الممتدة ورؤيته الثاقبة وفطنته السليمة فى كشف تلك المخططات الخبيثة وتجاوز هذه المحنة العصيبة، بما وضعته من خطط وطنية فى مختلف القطاعات لمعالجة تداعيات تلك الازمة وآثارها من ناحية، وفى وضع مرئيات ومخرجات حوار التوافق الوطنى موضع التطبيق من ناحية أخرى.

قصارى القول، أن ادراك الحكومة البحرينية لمسئولياتها الوطنية ومهامها فى الحفاظ على ما تحقق مكتسبات ونجاحات وما هو مستهدف من متطلبات واحتياجات، جعلها تتخذ بزمام المبادرة نحو استراتيجية فعالة للخروج من الازمة واستعادة الخطوات واستكمال المسيرة نحو بناء الوطن على النهج الذى يرتضيه المواطن البحرينى ويأمله دون تدخلات خارجية او ولاءات فوق وطنية.