الاقتصاد البحرينى ...متطلبات ما بعد التوافق الوطنى

Submitted by a.eldariby on أحد, 09/11/2011 - 21:47

الاقتصاد البحريني ... متطلبات ما بعد التوافق الوطني

---

عجلان ابراهيم عجلان

خبير فى الشئون العربية

ليس مبالغة القول أن الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، فالواقع السياسي بأحداثه وقضاياه يترك آثاره وتداعياته على اقتصاديات الدول، كما أن التغيرات الاقتصادية توجه الواقع السياسي وتقلباته، يدلل على ذلك ما تعيشه المنطقة العربية برمته من تحولات وتغيرات تؤكد على مدى الترابط بين الجانبين، فالواقع الاقتصادي المتردي الذي عاشه المواطن في بعض البلدان العربية دفعه إلى الخروج إلى الشارع ليرفض نظمه الحاكمة المستبدة الفاسدة التي تجاوزات في انتهاكات حقوقه وحرياته. على الجانب الآخر، كانت لتلك الأحداث تداعياتها السلبية على اقتصادياتها.

والحقيقة انه رغم التباين بين الأوضاع الاقتصادية التي كانت تعيشها الشعوب العربية في تلك البلدان كما هو الحال في مصر وسوريا وتونس واليمن وليبيا من تردى أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية وتهميشها سياسيا، وبين ما يعيشه المواطن الخليجي بصفة عامة والبحريني على وجه الخصوص من ارتفاع مستويات معيشته بفضل الدعم الحكومي المستمر لكافة جوانب حياته، وحرص قيادته السياسية على تلبية جميع احتياجاته والسعي إلى الاستجابة لكافة تطلعاته لينطبق على علاقة الدولة بالمواطن وصف "دولة الرفاه". ولم يقتصر الأمر على الجانب الاقتصادي والاجتماعي فحسب، بل شهدت الممارسة السياسية في تلك البلدان اتساع هامش المشاركة السياسية في إدارة دفة الحكم من خلال دورية الانتخابات، ورقابة البرلمان، واتساع حرية الرأي والتعبير، وزيادة دور المجتمع المدني بمؤسساته المختلفة في المشاركة المجتمعية، وهو ما جعل المواطن البحريني يشعر بذاتيه وكرامته وتمتعه بحقوق المواطنة الحقه في دولة تعلى من قدر مواطنيها كأصحاب أوطان وملاك قراراتهم المصيرية.

وإذا أردنا الحديث عن الاقتصاد البحريني في مرحلة ما بعد الحوار الوطني، يجدر بنا تسجيل عدد من الملاحظات المهمة التي تكشف عن حقائق تفرض على الجميع التعامل معها بصورة واقعية، وذلك على النحو التالي:

أولا- استطاعت مملكة البحرين رغم صغر مساحتها وقلة سكانها ومواردها أن تحقق تنمية اقتصادية معقولة، تجلت ابرز مظاهرها فيما يلي: * تحقيق معدل نمو إجمالي في العشر سنوات الأخيرة بلغ 64.5% بمتوسط سنوي 6.3%، كما ارتفع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي إلى 7442 دينار سنويًا في عام 2008، بينما كان 4008 دينار في 1999، أي بزيادة بلغت 85%. * ارتفاع عدد الصناديق الاستثمارية المطروحة في السوق والمسجلة في مصرف البحرين المركزي إلى 2743 صندوقا في 2010، وذلك في مقابل 2374 في عام 2007 و39 صندوقا في أواخر عام 2000. * ارتفاع قيمة الصادرات من 2329.1 مليون دينار عام 2000 إلى 4464.5 مليون عام2009. وهو ما كان له ابلغ الأثر في وصول المملكة إلى تصنيفات متقدمة في المؤشرات والتقارير الدولية الاقتصادية، كان آخرها تقرير "ممارسة أنشطة الأعمال 2010" الصادر عن البنك الدولي والذي يرصد بيئة تشريعات الأعمال ومدى فاعليتها في الدول، حيث حلت البحرين في المرتبة العشرين بين 183 دولة عالميا والثانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد المملكة العربية السعودية.

ثانيا- مما لا شك فيه أن ما شهدته المملكة من أحداث مؤسفة خلال شهري فبراير ومارس 2011 تركت تداعياتها السلبية على أوضاعها الاقتصادية ونجاحاتها ومكتسباتها التي حققتها على مدى العقد الماضي منذ بدء المشروع الإصلاحي للعاهل البحريني وانطلاق الرؤية الاقتصادية "البحرين 2030"، ففي أدق التقديرات التي سجلتها المؤسسات المتخصصة بلغت خسائر الاقتصاد البحريني حوالي 550 مليون دينار بحريني (أي ما يقرب من 1.4 مليار دولار)، وهو ما ترتب عليه بالتبعية تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2011 ليصل إلى حوالي 3.4%، فضلا عن زيادة نسبة العجز في الميزانية ليصل إلى نحو10% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2010.

ثالثا- في ضوء ما سبق، أضحى من الضرورة بمكان الإسراع في اتخاذ الخطوات الجادة لاستعادة ما ضاع واستكمال ما بدأ وصولا إلى المستهدف، وهو ما أدركه المشاركون في حوار التوافق الوطني في تأكيدهم على أهمية تعزيز تنافسية الاقتصاد البحريني وذلك من خلال طرح حزمة من السياسات شملت العديد من المحاور، أبرزها: التهيئة القانونية والسياسية، إصلاحات وتسهيلات حكومية، دعم القطاعات الإنتاجية (القطاع الصناعي، القطاع السياحي، القطاع العقاري)، التعليم والتدريب، التمكين الاقتصادي.

رابعا- توصل المشاركون في الحوار إلى عدد من الركائز الأساسية تقوم عليها التنافسية المستهدفة، تمثلت فيما يلي:

  1. الاهتمام بالموارد البشرية الوطنية.
  2. التركيز على الإنتاجية والكفاءة وأخلاقيات العمل ونشر ثقافة الجودة والتميز في الأداء المؤسسي.
  3. العمل على تطوير وتحديث التشريعات والقوانين المنظمة لمختلف القطاعات الاقتصادية.
  4. مكافحة الفساد الإداري والمالي بفاعلية، وذلك من خلال تفعيل توصيات الجهات الرقابية وفى مقدمتها ديوان الرقابة المالية والإدارية، مع تعزيز ثقافة الحوكمة والمساءلة والشفافية.
  5. دعم جهود تمكين المرأة البحرينية اقتصاديا.
  6. توفير البيئة السياسية المستقرة والأمن.
  7. تفعيل دور مجلس التنمية الاقتصادية في مجال التخطيط الاستراتيجي للاقتصاد البحريني.

خلاصة ما سبق يمكن القول أنه إذا كان الحوار الوطني هدف في المقام الأول إلى التوصل إلى تفاهمات وتوافقات وطنية حول القضايا السياسية التي برزت على الساحة في ضوء الأحداث المأسوية التي وقعت في بداية هذا العام، إلا انه من الصحيح أيضا أن إدراك القائمون على حوار التوافق الوطني لأهمية الجانب الاقتصادي بحيث أولوا له جانب مهم من المناقشات والحوارات، يؤكد على شمولية الرؤية واتساع البصيرة للحلول المطروحة خروجا من الواقع المؤلم الذي عاشته المملكة على مدى شهرين كادت أن ينهار فيهما ما حققته من مكتسبات  وما أحرزته من نجاحات وما سجلته من شهادات دولية وإقليمية بنجاح منقطع النظير.