صرخات فى الظلام ومستقبل العلاقات البحرينية القطرية

Submitted by a.eldariby on جمعة, 08/19/2011 - 02:39

صرخات في الظلام.. ومستقبل العلاقات البحرينية القطرية

---

أحمد متولى بدوى

باحث فى الشئون السياسية

في لحظات تاريخية فارقة، تقف الشعوب والأمم تنظر إلى ماضيها للاستفادة من أحداثه، وتحلل حاضرها لتقف على جوانبه وقضاياه، وتنظر إلى المستقبل لتشدو بما تسعى إلى تحقيقه، وفى تلك اللحظات لم يكن من الممكن تجاهل علاقات هذه الشعوب والأمم بجيرانها وما مرت وتمر به علاقاتها معها ما بين مد وجز، وما بين تقارب وتباعد، وما بين تكامل وتنافس، لترسم مسار علاقاتها في ضوء خبراتها التاريخية واشكالياتها الراهنة وتطلعاتها المستقبلية، وهو ما يتجلى بوضوح في العلاقات البحرينية القطرية، فصحيح أن ما يجمع البلدين أكثر بكثير مما يباعد بينهما، فوحدة الشعب واللغة والدين والثقافة والتاريخ، فضلا عن التجاور الجغرافي ساهم في مزيد من الترابط بين شعبيهما وأبناءهما، إلا انه من الصحيح أيضا أن التاريخ لم يخف في سجلاته ما شهدته علاقات البلدين من توترات وتباينات في الرؤى حيال بعض القضايا المشتركة، بل ظلت قضية الحدود بينهما مثارة لمدة أكثر من ستين عاما حتى حُسمت بحكم محكمة العدل الدولية عام 2001 القاضي بتثبيت سيادة البحرين على جزر حوار وتعديل الحدود البحرية بين البلدين في الشمال ومنح قطر حق السيادة على منطقة فشت الدبل، وهو ما ساهم في فتح صفحة جديدة في علاقات البلدين وإن ظلت قضية منطقة فشت العظم التي تتوسط المياه الإقليمية للبلدين محل نزاع لم يحسم الرأي بشأنها، إلا أنها لم تعكر صفو العلاقات المتبادلة بين البلدين.

ولكن ما تم مؤخرا ببث قناة الجزيرة القطرية لفيلم وثائقي يحمل عنوان " صرخات في الظلام" عن الأحداث المشينة التي عاشتها البحرين خلال شهري فبراير ومارس 2011، يمثل بلا شك نقطة تحول في مسار علاقات البلدين، خاصة وان دولة قطر لم تتخذ موقفا حيال ما بثته الجزيرة من ادعاءات باطلة كذبتها حقائق الواقع وسجلات الأحداث وشهادة المسئولين الدوليين والإقليميين والمحليين، وهو ما يثير عدد من التساؤلات ويطرح جملة من الاستفهامات حول دلالة ما تم بثه باللغة الانجليزية؟ وتوقيتاته؟ ومدى مسئولية إدارة القناة والقائمين عليها والمسئولين عنها تجاه ما تضمنه التقرير من أخبار وآراء؟ وإلى أي مدى يتفق هذا التقرير مع الأخلاقيات المهنية والتزام الحيادية وتحري الحقائق والحفاظ على مصداقيتها قبل نشرها؟

بداية، يمكن القول أن قضية إذاعة أو نشر قناة الجزيرة لتقرير باللغة الانجليزية عن الأحداث المأسوية التي عاشتها المملكة في أوائل هذا العقد يكشف عن عدة دلالات ويفرض تسجيل بعض الملاحظات، أهمها:

أولا- يجب أن يعي الجميع أن علاقات الدول لا تحكمها تصرفات أو تحركات من بعض القوى الداخلية فحسب، وإنما هي نتاج لخليط من العوامل الداخلية والخارجية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وإعلاميا...الخ، ولذا فيجب أن يكون واضحا للعيان أن ثمة فارق مهم بين اتخاذ موقف حيال ما قامت به قناة الجزيرة كقناة إعلامية مستقلة خالفت مواثيق الشرف الصحفي والإعلامي، وبين تأثيرات هذه الممارسات الخاطئة على مسار علاقات البلدين.

ثانيا- ارتباطا بما سبق، يصبح من الأهمية بمكان التأكيد على أن العلاقات البحرينية القطرية يجب أن تسمو فوق تلك الممارسات ، وهو ما يتطلب أن تبادر الشقيقة القطرية بالتعبير عن موقف الدولة قيادة وحكومة وشعبا في رفضها لما بثته الجزيرة من تقارير تسئ إلى سمعة المملكة في وقت أكدت فيه للعالم اجمع حرصها الشديد على استكمال خطوات الإصلاح والديمقراطية التي انتهجتها منذ أوائل الألفية الثالثة مع إطلاق المشروع الإصلاحي للعاهل البحريني.

ثالثا- إذا كان مفهوما ومقبولا موقف الإعلام البحريني بصفة عامة والصحافة على وجه الخصوص في رفض وإدانة ما بثته قناة الجزيرة في تقريرها، إلا انه من غير المفهوم وغير المبرر ما اتخذه الإعلام القطري في رد فعله على موقف الإعلام البحريني، فالحيادية الإعلامية والنزاهة المهنية والشفافية الصحفية تقتضى من القائمين على العمل الصحفي ألا يقع تحت تأثير الانتماءات الوطنية دون تحرى الحقائق وكشف المستور وإبراز الصحيح ليكسب مصداقية المشاهد والقارئ الذي أصبحت لديه قاعدة تهدد مصداقية الإعلام العربي برمته، تنطلق من رؤيته بأن ما تبثه القنوات الإعلامية العربية غير صحيح إلا أن يثبت العكس، ويأتي العكس دائما من القنوات الأجنبية، وهو ما يهدد مصداقية الإعلام وصدقيه رؤيته ومواقفه ليضعه دائما في خانة عدم التصديق إلا إذا تأكد الأمر من الإعلام الأجنبي، وهى قضية خطيرة تحتاج إلى مزيد من التحليل والتمحيص لمعالجتها.

رابعا- لن يعد مقبولا أن تصبح احد قنوات الإعلام العربي في محل شك وريبة من جانب الشعوب العربية فيما تبثه من أخبار وما تعده من تقارير، ليظل التساؤل الباحث عن إجابة، ماذا وراء هذا البث؟ هل مصالح القائمين عليها؟ أم تربيطات مع قوى أجنبية تستهدف المنطقة وشعوبها؟ أم تنفيذا لأجندات دولية وإقليمية خافية على الجميع؟ فعلى سبيل المثال يأتي التوقيت الذي اختارته القناة لبث هذا التقرير ليؤكد هذه الشكوك لدى المواطن العربي بصفة عامة والبحريني على وجه الخصوص، فلماذا الآن بالتحديد؟ خاصة بعد نجاح حوار التوافق الوطني في التوصل إلى مرئيات حظيت بإجماع وتوافق مختلف مكونات المجتمع البحريني وطوائفه التي أكدت بمشاركتها حرصها على استكمال بناء المنظومة الديمقراطية في المملكة من خلال التوصل إلى تفاهمات وتوافقات حققت الكثير من الطموحات ولبت العديد من المطالبات.

قصارى القول أن ما بثته قناة الجزيرة من تقرير حمل عنوان "صرخات في الظلام" ليؤكد على أن ثمة دوافع غير شريفة وأهداف غير قومية ومصالح فئوية تحرك القائمين عليها، كما يؤكد كذلك على ظلامية عقلية القائمين على بث هذه التقارير دون التحقق من صدقيتها وصحتها ومدى ملاءمتها للعقل والمنطق، فهل من العقل في شئ أن يطل علينا تقرير يتحدث عن خروقات في البحرين في ضوء ما اتخذته المملكة من قرارات حاسمة كتشكيل لجنة تقصى الحقائق والدعوة لحوار التوافق الوطني، والتي نجحت في إعادة الاستقرار والطمأنينة إلى المواطنين والمقيمين على أرضها، فلمصحة من يتم هذا؟ سؤال ستجيب عنه الأيام الحبلى بالمفاجآت.