بيان 14 فبراير فى البحرين: قراءة كاشفة عن رؤية مغلوطة

Submitted by a.eldariby on جمعة, 08/19/2011 - 02:38

بيان 14فبرايرفى البحرين: قراءة  كاشفة عن رؤية مغلوطة

عجلان ابراهيم عجلان

خبير فى الشئون العربية

لقد كانت الأحداث المأساوية التى وقعت فى البحرين منذ شهر فبراير الماضى مجال خصب لآراء وأفكار جدلية كثيرة ظهرت هنا وهناك ما بين مؤيد ومعارض الى أن أعلن  العاهل البحرينى عن مبادرته للحوار الوطني وذلك فى شهر يونيو الماضى فى خطوة منه لنبذ الخلافات السياسية والجلوس الى مائدة المفاوضات والحوار لطرح الرؤى المختلفة للوصول الى المبادىء والأفكار التى تساعد المملكة على تحقيق الديمقراطية المنشودة، وعلى الرغم من نجاح هذا الحوار فى التوصل الى مجموعة من التوافقات والتفاهمات حول العديد من القضايا الخلافية، إلا ان لم يحسم التباينات فى مواقف مختلف الاطراف، خاصة تلك التى تخفى اجندات خاصة تستهدف تحقيق مصالحها الذاتية ولو على حساب المصلحة الوطنية، وهو ما تجلى بوضوح فى البيان الذى اصدره مجموعة من يطلقون على انفسهم "أنصار ثورة 14 فبراير فى البحرين"، والذى جاء تحت عنوان :"نتائج الطبخة الأمريكية السعودية حكومة ملكية شمولية مطلقة بامتياز"، حيث ذكر أن هذا الحوار هو مجرد طبخة أمريكية سعودية لتثبيت حكم آل خليفة.... وأنه فاشل وسيولد ميتا... مطالبين الجمعيات السياسية المعارضة بمقاطعته، وألا تكون شاهد زور على نتائجه، معتبرين ان المؤتمر ما هو إلا مؤامرة من قبل نظام الحكم من أجل الالتفاف على مطالب الشعب، وهو ما يطرح جملة من التساؤلات حول الاحكام المسبقة التى تضمنها البيان ومدى صحتها؟ وهل يتقبل الراى العام الداخلى والخارجى مثل هذه الاحكام التى تقفز على النتائج وتحسم القضايا قبل نظرها والبحث عن حلول لها؟ وإلى اى مدى تتعارض هذه الاحكام المسبقة مع حقيقة الدعوة الملكية بفتح العقول والقلوب لاستكمال ما بدأته المملكة من خطوات جادة على طريق الاصلاح والتنمية؟

ولا شك ان الاجابة على هذه التساؤلات تستوجب تسجيل عدة ملاحظات تفند ما ورد فى البيان وتكشف عوارته وترد على ادعاءاته وصولا الى حقيقة الواقع البحرينى بشفافية شهد بها الجميع، وذلك على النحو التالى:

اولا- من المعلوم أن الجلوس الى مائدة المفاوضات معناه أن يتنازل كل طرف عن آراءه المتشددة تقبلا لمبدأ احترام الرأى والرأى الآخر دون تمسك كل طرف بوجهة نظره ورأيه فقط ضاربا بآراء الآخرين عرض الحائط، لأن هذا هو طبيعة الفكر الذى يبحث عن المصلحة العامة وليس عن مصالح شخصية ووقتية زائلة، إعلاء لشأن الأمة على شأن الفرد، وما يتطلبه من ضرورة الاستماع الى الرأى الآخر والتفكير فيه بإمعان حتى يتم الوصول الى أفضل النتائج الإيجابية التى تؤدى الى تقدم الأمة ورقيها.

ثانيا- كشف البيان عن مغالطة القائمين عليه فى مصادرتهم لاراء جميع القوى السياسية والمكونات المجتمعية بما فيهم المعارضة، وذلك باتهامه إياهم بأنهم كشهود الزور وأنهم لم يشاركوا فى المؤتمر إلا نتيجة ضغوط أمريكية، مدللين على ذلك بعدم سرعة تجاوب المعارضة مع الدعوة منذ البداية، وهو ما يكشف عن عدم فهم القائمين على اصدار البيان لحقيقتين مهمتين: الاولى،  أن كل شخص يمتهن العمل السياسى لا يبدى رأيه إلا بعد أن يفكر فى الأمر بروية حتى يكون قراره مبنيا على أسس واقعية سليمة. الثانية، انه اذا كانت هناك ضغوط أمريكية فكان من الأولى أن تبدى تلك الأطراف موافقتها بمجرد الإعلان عن دعوة العاهل البحرينى، فمن المفترض أن تكون الأمور مرتبة مسبقا وهو ما لم يتحقق، بل اكثر من ذلك اغفل اصحاب البيان حقيقة الدور الإيرانى وموقف المعارضة البحرينية الموالية لإيران وعلى رأسهم جمعية الوفاق، فهل كانت الموافقة نتيجة لضغوط أمريكية على ايران أم أن أهداف أخرى خلاف الضغوط الأمريكية على ايران إن وجدت وراء تلك الموافقة. فضلا عما سبق، اذا كانت مشاركة جمعية الوفاق بموجب الضغوط الأمريكية فكيف تنسحب بعد ذلك، ألم تكن تستطيع أمريكا أن تكثف من ضغوطها عليها حتى تستمر فى المشاركة طالما أنها تستجيب للضغوط ممن تعتبرهم أعداء.

ثالثا، استند البيان فى استدلالاته على فعالية الدور الامريكى الفعال فى الازمة البحرينية باعتبار ان الدور الذى قامت به المملكة العربية السعودية كان استجابة لضغوط امريكية لاجهاض هذه الاحداث، وهو ما يتنافى مع حقيقة الواقع السياسى والقانونى للدور القومى الذى قامت به السعودية على رأس دول مجلس التعاون الخليجى، وهو ما يتضح فى ضوء امرين: الاول، أن القوات السعودية لم تتدخل إلا من خلال قوات درع الجزيرة بموجب اتفاقية الدفاع المشترك لدول مجلس التعاون الخليجى من حيث العمل على حفظ الأمن والسلم الداخلى لكل دولة من قبل دول المجلس. ولذا، فقد كان التدخل الخليجى تفعيلا لاتفاقية الدفاع المشترك لدول مجلس التعاون الخليجى. الثانى، يعلم الجميع ان السعودية دولة مستقلة ذات سيادة وقرارها بيدها ولاتنتظر أوامر من دول خارجية، على علكس ما اثبتته الاحداث من اتخاذ انصار البيان قراراتهم بناء على توافقات مع اخرين لا يهمهم مصلحة المملكة واستقرارها.

رابعا- ليست مبالغة القول أن البيان لم يتضمن الاشارة الى قضايا جوهرية تهم المملكة  أو أية حلول لمعالجة الأحداث التى وقعت، فقد جاء خاليا من أية وجهة نظر مستقبلية للمملكة سوى أنهم يريدون الإطاحة بآل خليفة فقط، بل أكثر من ذلك لم يشر البيان من قريب او بعيد إلى ما تمخض عنه حوار التوافق الوطنى من توصيات وتفاهمات، فطالما أن التوصيات لم تكن على المستوى المطلوب ، كان أولى ممن أصدروا البيان أن يفندوها ويطرحوا بدائل لها ، ولكن هذا لم يحدث، إنما هو الرفض والهجوم التام دون الغوص فيما حوته تلك التوصيات. وإنما تحول البيان الى عملية دعائية بحتة فى محاولة لكسب أرضية جماهيرية لدى الشارع البحرينى على حساب بعض ا لجمعيات التى شاركت فى الحوار وكأننا فى ساحة انتخابية، يريدون أن يكسبوا تعاطف الرأى العام فقط فى محاولة لأن يكونوا فصيلا سياسيا على الساحة البحرينية، ولذلك لم يخل البيان فى فقرة من فقراته من شن هجوم على هذا والازدراء من ذاك، وتحول البيان الى محاولة مكشوفة لفرض عضلاتهم وأنهم أصحاب الرؤية الثاقبة ، وهذا الكلام ليس افتراءًا ولكن مما جاء فى البيان حيث ورد" كنا نتمنى من الجمعيات السياسية أن تتفهم ما يحاك وراء الكواليس" ثم ورد أيضا"أما شباب الثورة فقد كانت مواقفهم صائبة وصحيحة من كل مواقف السلطة التى كانت تتآمر على الحركة الشعبية" هذه أمثلة فقط مما ورد فيه، وهو ما يدلل على أن الهدف الرئيسى للبيان أن يكون بمثابة حملة إعلامية دعائية لصالح من أصدروه مستغلين فى ذلك حالة الحراك السياسى الذى تشهده البحرين.

                                           

          خلاصة القول أن البيان لم يكن بيانا سياسيا بمعنى الكلمة ولكنه أتى لتحقيق مكاسب وأهداف معينة لصالح من أصدره، محاولين التدليل على قدرة أنصاره على استقراء الأحداث وأنهم الأعلم بمصالح الشعب البحرينى، والأقدر على تحقيق مصالحه وطموحاته، ولم يذكر لنا البيان كيف يكون ذلك وما هى أهدافهم وخططهم للوصول لذلك، والشىء الوحيد الذى طالبوا به بصورة واضحة هو : توحيد صفوف المعارضة، ولكن تحت راية من؟