الموقف الخليجى تجاه الازمتين السورية والليبية ... رؤية مقارنة

Submitted by a.eldariby on أربعاء, 08/10/2011 - 13:07

 

الموقف الخليجي تجاه الأزمتين السورية والليبية ... رؤية مقارنة

عطا السيد الشعراوى

خبير فى الشئون العربية

شهدت الأيام الأخيرة مواقف وتحركات خليجية تجاه الأزمة السورية, ففي خطوة نوعية، استدعت السعودية سفيرها في دمشق “للتشاور حول الأحداث الجارية” في سورية، وطالب العاهل السعودي في خطاب حول الأزمة في سوريا في السابع من أغسطس الجاري القيادة السورية بوقف آلة القتل وإراقة الدماء، وتحكيم العقل قبل فوات الأوان.

وجاءت هذه الخطوة في أعقاب بيان صدر عن دول مجلس التعاون الخليجي دعت فيه إلى الوقف الفوري لإراقة الدماء، وإجراء الإصلاحات الجادة والضرورية. وكانت قطر قد قامت مؤخرًا بإغلاق سفارتها وسحب سفيرها من دمشق.

هذه المواقف جاءت بعد صمت خليجي استمر عدة شهور في وقت لعبت فيه هذه الدول الدور الأبرز في الأزمة الليبية، وكانت صاحبة السبق في الدعوة إلى فرض حظر جوي على ليبيا، ودعم التدخل العسكري لحلف الناتو. فهل ثمة تناقض في الموقف الخليجي تجاه هاتين القضيتين؟

للوهلة الأولى يبدو أن هناك تناقضًا في الموقف الخليجي تجاه الأزمتين السورية والليبية، إلا أن القراءة المتأنية والمتعمقة في الموقف الخليجي تدفعنا إلى القول بأن لا تناقض في الموقفين، فالعوامل التي دفعت دول الخليج إلى التحرك والتدخل في ليبيا هي ذاتها التي جعلت تلك الدول تلتزم الصمت طوال الفترة الماضية تجاه الأزمة السورية، وذلك على النحو التالي:

أ- البيئة الداخلية:

في ليبيا ومنذ اندلاع الثورة الشعبية ضد القذافي ونظامه أخذت طابعًا عسكريًا وقتالاً ضاريًا وغير متكافئ بين قوات نظامية مسلحة تسليحًا جيدًا ومدربة، وتمتلك خبرات قتالية كبيرة، وأخرى غير نظامية، وغير مدربة، وغير مستعدة، ولكن فرض عليها القتال وهو ما كان ينذر بسحقها تمامًا على أيدي القذافي وقواته، مما فرض ضرورة تدخل المجتمع الدولي؛ لحماية المدنيين من بطش القذافي وجنوده، وما كان لدول الخليج أن تتخذ موقفًا مغايرًا لهذا الموقف الأخلاقي في المقام الأول.

إضافة إلى ذلك، كان القذافي مصممًا منذ البداية على القتال والحل العسكري دون الإشارة من قريب أو بعيد إلى إجراء إصلاحات، بل كانت لغة التهديد والوعيد هي السائدة في الخطاب الرسمي.

بينما في سوريا، كانت الاحتجاجات في البداية محدودة وبمرور الوقت أخذت في التصاعد والانتشار بين المدن السورية، لكنها لم تأخذ طابعًا عسكريًا، وحافظت على سلميتها رغم قمع النظام السوري وبطشه.

كما لجأ بشار الأسد إلى أسلوب الخطابات التي تحمل وعودا إصلاحية كثيرة، ورغم أنه لم يتحقق منها شيئًا، إلا أنها كانت تخلق ولو بصيصًا من الأمل لدى المجتمع الدولي في إمكان القيام بتلك الإصلاحات التي يطالب بها المحتجون، ووضع نهاية سلمية للأزمة السورية.

فضلاً عن ذلك، فإن لجوء دول الخليج إلى فرض عقوبات اقتصادية على سبيل المثال من شأنه الإضرار بالشعب السوري قبل النظام الذي يتلقى دعمًا من دول مثل إيران تجعله قادرًا على الاستمرار.

ب - البيئة الدولية:

طبيعة البيئة الداخلية فرضت شكل التحرك الدولي، ففي ليبيا لم يكن يجدي سوى التدخل العسكري؛ لوضع حد للحرب التي شنها القذافي على شعبه، ومن أجل حماية هذا الشعب وتوفير الدعم الذي يجعله قادرًا على البقاء والدفاع عن نفسه.

وبالرغم من وجود أهداف ومصالح أخرى للتدخل الغربي في ليبيا، إلا أن التدخل في حد ذاته كان أمرًا حتميًا، لكنه لم يتم بالشكل المناسب الذي يوفر للثوار دعمًا ومقدرة على التفوق الواضح على القذافي وقواته وهو ما أدى إلى استمرار القتال دون غالب أو مغلوب حتى الآن.

بينما في سوريا، لم تكن هناك حماسة دولية للتدخل العسكري بعد أن وضع حلف الناتو نفسه في مأزق في ليبيا بسبب الانقسامات والخلافات بين دوله حول شكل التدخل وأهدافه وحدوده، لذا اكتفت دول الحلف بالتصريحات التي تدين النظام السوري والمطالبة بإدخال إصلاحات جذرية وسريعة، وفرض عقوبات على النظام السوري؛ من أجل دفعه لإجراء هذه الإصلاحات، والتوقف عن قمع المتظاهرين.

وفي هذا الاتجاه، جاء الموقف الخليجي منسجمًا مع الموقف الدولي الرافض للتدخل العسكري خاصة وأن هذا التدخل غير مضمون العواقب بالنظر إلى ما حدث في ليبيا، إضافة إلى التحالفات الإستراتيجية لسوريا مع كل من إيران وحزب الله، والطبيعة الجيوسياسية لسوريا التي تفرض صعوبات عدة على أي عمل عسكري، حيث إنها تتقاسم الحدود مع تركيا والعراق وإسرائيل ولبنان، وهو ما يهدد بحرب إقليمية.

يضاف إلى ذلك، أن التحرك الخليجي في الأزمة السورية ودعمها التدخل العسكري الدولي سوف يفسر تفسيرًا طائفيًا مذهبيًا، وهو الأمر الذي يفقد التحرك مصداقيته وجديته، خاصة وأن سوريا حليف إستراتيجي لدولة إيران التي تتبع سياسة خارجية طائفية باتت واضحة للعيان، وتجسدت في تدخلها السافر في الشأن البحريني خلال أزمة 14 فبراير وموقفها المتناقض القائم على أسس مذهبية من التغيرات والاضطرابات التي تشهدها المنطقة العربية.

وعليه، لم تدع طهران بما تملكه من أدوات إعلامية داخلية وخارجية الفرصة لتشويه الموقف الخليجي، لذا أرادت دول الخليج تفويت الفرصة على سوريا (وإيران) للقول بأن دول الخليج هي الأخرى تتدخل في شؤونها الداخلية؛ لحماية الطائفة السنية.

ولكن بعد الممارسات الوحشية لنظام بشار، وارتكاب مجازر كما حدث في حماه مؤخرًا، وفقد الثقة في إمكان إجراء الإصلاحات اللازمة لإعادة الهدوء والاستقرار، كان التحرك واجبًا من قبل المجتمع الدولي ودول الخليج.