الإعلام الجديد

Submitted by رنو on سبت, 05/21/2011 - 13:50

 

خلال منتدى الإعلام العربي الذي أُقيم قبل يومين في دبي كان قلق وسائل الإعلام التقليدي، كالفضائيات والصحف، واضحاً تجاه الإعلام الحديث المتمثل في المواقع الإخبارية الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، كـ «يوتيوب وفيسبوك وتويتر».

 

والغريب أن المحسوبين على تلك الوسائل التقليدية مازالوا يناقشون مدى قدرة الإعلام الحديث على التقدم عليهم، في حين أنه قد تجاوزهم بمراحل على أرض الواقع، سواءً من الناحية التقنية أو من ناحية المحتوى، وأصبح له قاعدة جماهيرية كونية.

 

فلقد ذكرتُ في مقال سابق بأنه في كل ستين يوماً يتم تحميل مقاطع فيديو على موقع يوتيوب تساوي في مجموعها إنتاج كل القنوات الأميركية في ستين عاماً، وفي كل يوم يَعرض المتصفحون ملياري فيديو على نفس الموقع.

 

وعلى رغم أن الإعلام العربي يناقش قضية الصحافة الإلكترونية منذ العام 2004 إلا أنه مازال متشبثاً بالمفاهيم التقليدية للإعلام، ولا أعني التكنولوجيا فقط، بل وحتى المحتوى الذي صارت بينه وبين المتلقي هوّة كبيرة جداً. فلم يعد الجيل الجديد قادراً على استيعاب الديباجة التي يبدأ بها المذيعون نشرات الأخبار، ولم تعد البرامج الحوارية، والسياسية خاصة، مُغرية كما كانت قبل عشر سنوات.

 

وعندما نجحت بعض القنوات الفضائية خلال الثورات العربية الأخيرة، فلأنها كانت تستقي كميات كبيرة من موادها من هواتف الشباب المتواجدين على الأرض، وكانت متابعة الناس للأخبار على تويتر والمواقع الإلكترونية تضاهي متابعتهم إياها على التلفاز.

 

عندما ندرك بأن أكثر من خمسين بالمئة من سكان العالم العربي تحت سن 25، فإننا لا نستطيع إغفال حقيقة أنّ نِصْف الزبائن المستهدفين من قبل وسائل الإعلام هم من الشباب العاكفين على استخدام وسائل الاتصال الحديثة والهواتف الذكية، الذين لا يهمهم تسجيل البرامج التي تُبث على القنوات الفضائية، .

 

ولا هم مهتمون أيضاً بالجلوس أمام التلفاز وقت نشرات الأخبار. فلقد أصبحت لهذه الشريحة الشبابية متطلبات عصرية جديدة، ولكي تصل وسائل الإعلام إليهم فإنه عليها أن تتواجد في هواتفهم النقّالة وفي تجمعاتهم الإلكترونية، .

 

وإلا فإنها لن تجد بعد مدة قريبة من يهتم ببضاعتها التقليدية. ليس ذلك فقط، فلقد أصبح من بين هؤلاء الشباب نجوم ومشاهير دون أن يظهروا على الفضائيات، وصاروا يشغلون مكاناً بارزاً في الحراك الثقافي والاجتماعي في منطقة الخليج على الأقل، ومن السذاجة أن يُغفل دور هؤلاء لأنهم لا يرتقون (عُمرياً) لدرجة المثقف والمفكر.

 

ففي المنتدى كان الكُتّاب المغردون في تويتر هم نجوم المكان، ولا يكاد أحدهم يمر بين الناس دون أن يستوقفه الجمهور لتجاذب أطراف الحديث معه وأخذ الصور التذكارية، وفي الجلسات كانوا هم الأكثر قُرباً لنبض الشارع وأكثر استيعاباً لمشكلات المجتمع.

 

فلم نجدهم يقرأون كلمات معدة مسبقاً في أوراق ــ كما فعل بعض المثقفين- ولم يُحاولوا أن يتنطعوا بمفاهيم غريبة حتى يُقال عنهم بأنهم مثقفون، بل كانوا يتحدثون مع الناس بلغتهم النابعة من حياتهم وممارساتهم اليومية. لا يهم إن كان هؤلاء يحملون عُمقاً معرفياً أم لا، والمهم هو أن الواقع قد فرضهم على الساحة، .

 

وأصبحوا مؤثرين بشكل كبير وملحوظ، بل إنني استغربت عندما مرّ بين حشود المنتدى عدد من مشاهير الكتاب العرب الذين يكتبون في الصحافة العربية منذ عدة عقود دون أن يحصلوا على نفس الزخم الإعلامي الذي حظي به الكُتّاب الشباب، ولا يُقلل هذا من مكانة أولئك الذين كان لهم فضل السبق الزمني، ولكن الملاحظ أنهم غَيّبوا أنفسهم عن الساحة الإعلامية الجديدة، فلا نكاد نراهم في أيٍ من وسائل التواصل الحديثة.

 

وعندما يتحدثون فإنهم يُفضلون الاجترار من الماضي ومناقشة القضايا بنخبوية صرفة، ولم يعد بعضهم قادراً على استيعاب متغيرات المرحلة الحالية في المجتمعات العربية، حيث يصرون على التمسك بأعمدتهم اليومية التي بدأت تتهاوى بسرعة بسبب التيار الحداثي الجارف الذي يجتاح العالم.

 

ذكرت مجلة «النجاح Success» في العدد الصادر في مارس الماضي بأن المعرفة قبل عام 1900 كانت تحتاج إلى 150 عاماً حتى تتضاعف، واليوم فإنها تتضاعف كل ثمانية عشر شهراً، أما في عام 2020 فإنها ستتضاعف كل سبعين يوماً، وأتساءل هنا: كيف يمكن في خضمّ هذا التحول المعرفي الهائل من حولنا أن يُصرّ بعضنا على كتابة مقاله بخط يده، ثم يرسله عن طريق الفاكس، ليُنشر في صحيفة مطبوعة!

 

يتهمني بعض الكتاب (المخضرمين) بأنني متحمس للفكر الشبابي، ولكنني أحب أن أتكلم بلغة الأرقام والواقع، فمع التغير الاجتماعي الهائل الذي مرّت وتمرّ به البشرية الآن، صار على كل مثقّف ومفكّر أن يواكب هذه التحولات لكي يكون قريباً من المجتمع ويتحدث معه لا إليه، فالمرحلة القادمة لا تحتمل التنظير والنصائح الوعظية، بل تحتاج إلى طرح فكري وواقعي يلامس احتياجات الإنسان المعرفية، ولا يُسفّه بدور الإنسان البسيط الذي لم يعد بسيطاً كما نظن.

 

أما الذين لم يؤمنوا بالوسائل الحديثة وبالجيل الجديد حتى الآن، فقد وجدوا أنفسهم في معزل عن التأثير في الحراك الاجتماعي، وبالتالي لم يعودوا قادرين على صناعة الرأي العام في المجتمعات العربية مثل السابق. لم تعد التقنية الحديثة وسيلة للتسلية، بل صارت أكثر واقعية من الحياة ذاتها، وأتمنى من الكُتّاب والمثقّفين العرب أن يهبطوا من أبراجهم العاجية ليفهموا المجتمع، وليَفهمهم المجتمع.

 

مقال أعجبني منقول من: أنا أُغرّد إذن أنا موجود - ياسر حارب (الصورة قي الأسفل) – البيان الإماراتية

تاريخ: 21 مايو 2011