ما جاء في ضمان الطبيب

قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] : " من تطبب ولم يعرف قبل ذلك بطب فهو ضامن ".
وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يتقدم إلى المتطببين ويقول: من وضع يده من المتطببين في علاج أحد فهو ضامن إلا أن يكون طبيبا معروفا.
وأنه قدم طبيبا معروفا من نجد فداوى رجلا من الأنصار فمات فرفع إلى عمر بن الخطاب فقال: ما حملك على أن تضم يدك على هذا، وليس لك طب تعرف به؟
فقال: يا أمير المؤمنين أنا طبيب العرب، ولكن أجله انقضى.
فسأل عنه عبادة بن الصامت فقال عبادة: يا أمير المؤمنين هو من أطب الناس. فخلاه عمر.
قال عبد الملك:
وإنما تفسير هذا أن يموت المريض من علاج الطبيب من بطه، أو كيه، أو من قطعه، أو من شقه، ولم يخط يده في شيء، ولم يخالف فعند ذلك لا يكون عليه ضمان إذا كان معروفا بالطب، وإذا لم يكن معروفا بالطب فهو ضامن لذلك في ماله ولا تحمل ذلك العاقلة، ولا قود عليه لأنه لم يتعمد قتله وإنما أخطأ الذي طلب من أصابت
مداواته بجهله ذلك، وعليه من السلطان العقوبة الموجعة بضرب ظهره وإطالة سجنه، ومنعه من أن يعالج بعده أحدا.
قال عبد الملك:
فأما إذا أخطأ الطبيب في كيه، أو بطه، أو شقه فيكون حيث لا يكون، أو يقطع عرقا لا يقطع، أو يبط حيث لا يبط، أو يسقي ما لا يؤمن شربه، أو يجاوز قدره فيموت من ذلك فهو ضامن، وإن كان طبيبا معروفا بالطب وبالبصر به لأنه جناية يده بخطأ، وذلك على عاقلته إذا جاوز ما أصاب ثلث الدية، ولا عقوبة عليه لأنه لم يقدر بجهل، ولم يتعمد بيد، ولا بقلب حتى زلت يده في جعلها أو حديده لسرعتها.
وكذلك قال مالك: إذا كان الطبيب معروفا بالطب فلا ضمان عليه إلا أن [يتعدى] أو [يخطئ] فيكون ذلك على العاقلة عن بلغت ثلث الدية وإن كان أقل من ذلك ففي ماله.
قال عبد الملك:
وكذلك الخاتن يختن فيموت الصبي من اختتانه إن كان بصيرا بعمله معروفا به فلا شيء عليه وإن لم يكن معروفا فهو ضامن لذلك في ماله وعليه العقوبة.
قال: وإن كان أخطأ فقد أكشفه، أو بعضها، أو قطع ما لا يقطع، أو مضت يده إلى البيضة، أو ما أشبه ذلك من الخطأ وتعدى الصواب فهو ضامن. كان بصيرا بعمله معروفا به أو غير [معروف] . وإن كان غير [معروف] به ففي ماله قليلا كان أو كثيرا وإن كان بصيرا بعمله معروفا به فذلك على عاقلته إذا جاوز ذلك ثلث الدية، وإنما يفترقان في العقوبة يعاقب غير المعروف بذلك العمل، وتصرف العقوبة عن المعروف بعمله البصير به. كذلك قال مالك في ذلك كله، وقضى عمر بن عبد العزيز في خاتنه كذا، فمات الصبي فالدية على عاقلتها.
قال عبد الملك:
وإن كان الطبيب نصرانيا فيسقي المسلم فمات فعلى السلطان أن يكشفه عما سقاه، وإن كان طبيبا معروفا بالطب والبصر به للظنة التي تواقعه [لعداوة] النصارى للمسلمين، وما قد اضطرب الموت وجدر القول به: إن [أطباءهم] يتعمدون سقي المسلم ذي القدر في الإسلام ما يقتله به. فأولى للسلطان أن يشتد في ذلك على من مات منهم على أيديه. ويبالغ في الشدة عليه في الضرب والحبس والكشف على الدواء بعينه، وإن أمنع ذلك، يمنع المتهم منهم الظنين ب [الجرأة] على ما وصفوا به من سقي المسلم ذي القدر في الاسلام من المتطبب ويشعر منعه ويتقدم إليه في ذلك.
وروي أن طبيبا نصرانيا بالشام سقى سليمان بن موسى شربة فمات منها [وكان] سليمان كبيرا من فقهاء الشام وذلك [في عهد] هشام بن عبد الملك، فأرسل هشام إلى غلام سليمان فقال له: أتعرف القارورة التي أخذ الطبيب منها الدواء؟
فقال: نعم.
فأتى هشام بالطبيب وبما في بيته فعرف الغلام القارورة بعينه.
فقال هشام للطبيب: اشرب منها مثل ما سقيته.
فقال: بل أشرب من هذه الأخرى.
قال هشام: لا والله إلا من هذه.
فشرب منها فمات.
قال عبد الملك:
وكان الطبيب قد اتهم أن يكون إنما سقاه ليقتله لفضل سليمان بن موسى ومكانه من الاسلام، وكان الطبيب نصرانيا، فلذلك أمره هشام أن يشرب من حيث سقاه تهمة له أن يكون إنما سقي سما وما أشبهه فكان ذلك كذلك.