نوم السطوح

جريدة الرياض
19-09-2019

خلال الأيام القليلة القادمة، سوف نودع، وعلى مهل، أيام الصيف الثقيلة، التي لم تقصر في أي عام، في إهلاك أبداننا وجيوبنا، لندخل، وعلى مهل أيضاً، إلى فصل رحيم نسبياً، يعجب كثيراً من الناس، خصوصاً الذين يعانون من فواتير الماء والكهرباء وفواتير الترحال شرقاً وغرباً، وبعض هؤلاء يتكلف من أمره شططاً، فيأخذ القروض فوق القروض، لكي لا يكون، هو أو أهله، أحسن من أهلهم أو جيرانهم، الذين شدوا الرحال إلى الخارج، لقضاء جانب من إجازة المدارس أو الصيف اللهاب.

وحالما ينتهي الصيف، وتعود العصافير إلى أعشاشها، يبدأ الأب في تسديد ما اقترض، وهي قروض قد يستمر في تسديدها عاماً أو أعواماً، كل ذلك لكي لا يكون أقل من أهله أو جيرانه، الذين ربما دون أن يدري، فعلوا فعلته في اللجوء إلى الأهل والبنوك، لأخذ قروض الصيف!

ما الذي تغير حتى أصبحنا نتوجس من فصل الصيف، مع أن الصيف لم يخلف مواعيده، لا عندنا ولا عند غيرنا، بل إنه أصبح يتجبر حتى على سكان الدول الباردة، الذين أصبحوا مثلنا يستعينون بالمراوح والمكيفات، لكسر حدة الحر. نحن قياساً إلى هؤلاء القوم أحسن حالاً، فلدينا أجواء صحراوية لا مثيل لها خصوصاً في المساء، إذا أكرمنا بعدم مرور موجات الغبار، وقد كانت في هذا الصيف ساكنة.

لقد كنا في تلك الأيام الخوالي نحتفل في الصيف بسطوح منازلنا، فنرشها بالماء عند الغروب، وننشئ فيها غرفة صغيرة، تخصص للمراتب والأغطية، وبها أثاث خفيف يستخدم عندما يتم تأجير المنزل في موسم الحج، وبجانب هذه الغرفة مكان لتربية الحمام والعصافير، وكانت الأسر عندما يقبل المساء تنتقل إلى السطوح، لتبادل الأحاديث والقراءة وتناول العشاء، وحالما يحين وقت النوم، ينام الجميع على السطح، حتى الفجر أو طلوع الشمس، نوم لا ترهقه الكوابيس والأفكار.

كانت الساعة التاسعة مساء حد الجميع، وبعد صلاة الصبح تستعد الأسر لتناول وجبة الإفطار والذهاب إلى الأعمال والمدارس، وهو نظام مازال سائداً في كثير من الدول، التي تكاد تخلو شوارعها من المارة بعد التاسعة مساء، عندنا بعض الناس يستيقظون في هذا الوقت، لبداية السهر حتى مطلع الفجر!

تغير عاداتنا، جعل سطوح منازلنا مكاناً لصحون الأقمار الصناعية، ومكائن أجهزة التكييف، التي تنطلق منها النيران الموقدة إلى عنان السماء، صيفاً وشتاء، لتبريد غرفنا وصالات منازلنا ومطابخنا، فلم يعد الناس يرغبون كثيراً في جلسة الهواء الطلق، على سطوحهم أو حدائق منازلهم، التي تسقى بالمياه العذبة، وتعتني بها على مدار العام شركات وعمال متخصصون، دون أن يزورها أهلها، ولو مرة بالعام، أصبح الهواء الاصطناعي، المكيف، هو السائد، حتى وإن كانت فاتورته تقصم الظهر، حتى الذين يذهبون صيفاً إلى الخارج، يهربون من هوائها الطلق الذي ذهبوا من أجله، إلى غرفهم وصالونات فنادقهم المكيفة!