الفاتنة

جريدة الرياض
19-09-2019

كنت على أعتاب المراهقة حين دخل والدي يحمل العدد الأول من مجلة سيدتي، وقعت في غرام تلك المجلة، كنت أقرؤها من الغلاف للغلاف. كانت مجلتنا، مجلة الفتاة السعودية، أنيقة، عصرية، خفيفة ظل، وفيها الكثير مما يهم المرأة العربية والسعودية خصوصاً. باختصار كانت سيدتي في أعدادها الأولى فاتنة تماماً كرئيسة تحريرها فاتنة أمين شاكر.

لا تعرف هذه المرأة كيف أثرت فيّ، ربما أنا نفسي لا أعرف كم أثرت فيّ، لكنني أعرف أنني كنت مفتونة بهذه الشابة الجميلة ذات الابتسامة الخلابة التي ترأس تحرير مجلتي المفضلة. أعرف أن الإنسان حين يكون قدوة لا يعرف أنه يفعل ذلك، أنه أصبح قدوة. وفاتنة في ذلك الوقت، حين أصبحت أول رئيسة تحرير ربما لم تكن تدرك أي أثر تركت في جيلنا، أهمية الريادة أنك بهذا الفعل تقول للآخرين: هل رأيتم؟ المسألة ليست مستحيلة، يمكنكم أيضاً فعل ذلك. وفاتنة كانت رائدة في أكثر من مجال وتركت أكثر من أثر.

رأيتها قبل عدة سنوات في الصالون الثقافي في نادي جدة الأدبي، كنت سعيدة إلى درجة خرافية لأنني رأيت السيدة التي كانت أيقونة المرأة العاملة الكاملة بالنسبة لي، العمل والعلم والثقافة والجمال والأناقة، لا تتنازل فاتنة عن شيء مقابل شيء. هذا ما أؤمن به أيضاً، وسعيت له طوال حياتي، ربما لأنني من الجيل الذي كانت فاتنة قد سبقته وأصبحت قدوة له.

ابتسامتها الرائعة، ووجهها الذي يحمل الحب والثقة معاً، لا أعرف كيف أصف إحساسي بها، لكنني أعرف أنها منحتني اهتماماً يشبه فرحتي، وصرت أسأل نفسي، هل يعرف الإنسان ماذا يعني لإنسان آخر إذا رآه؟ هل عرفت فاتنة ما أكنه لها من التقدير والاحترام والشكر لأنها جعلت الحلم ممكناً للكثير من الفتيات؟

الرقة لا تعني الضعف، السلام لا يعني الاستسلام، الثقة لا تعني الغرور، التواضع لا يعني الخنوع، والابتسامة دائماً تعني المحبة والقلب المفتوح، هذه المعاني التي تمنحني إياها فاتنة شاكر حين أراها.

هذه المرأة التي كانت أول صوت نسائي سعودي إذاعي، وأول رئيسة تحرير سعودية، دكتورة الجامعة، عملت بمكتبة الإسكندرية تطوعاً؛ لأنها تعشق المكتبات. كل ما في فاتنة شاكر يرشح رقياً وثقافة، كلماتها تمتلئ صفاء وعذوبة كما هي شخصيتها.

فاتنة شاكر امرأة قوية، بقوة الشخصيات التي كانت تمتلئ بها صفحات مجلة سيدتي حين كانت ترأس تحريرها. أعظم أمارات القوة التي تتمتع بها فاتنة برأيي، أنها استطاعت أن تفعل كل ذلك بهدوء، من دون صخب أو صراخ. ما أعذب هذه القوة!