زد إبداعك!

جريدة الرياض
16-07-2019

جو ساترياني من الفنانين العباقرة، مقطوعاته لا كلمات فيها، تتكون من آلات فقط يصنع بها ألحاناً باهرة، يعبر عن مشاعره بلا كلام، فمثلاً لما توفي والده وضع مقطوعة اسمها "أبكي" تحكي الشعور فوراً وإن خلت من كلمات الرثاء. في عام 2015م، أنتج مقطوعات جديدة هي من أفضل ما صنع، وذلك بعد أن وصل إلى الستين، بعد عشرات السنين من الإنتاج، وبعد أن يتوقع المرء أن قريحته جفت وأفكاره نضبت.

كثير من الناس يحزن مع تقدم العمر، ولا شك أن للشباب ميزاته، لكن الإبداع ليس منها، ليس محصوراً على من هو في العشرين والثلاثين، بل كما ترى فإن بعض أعظم الإبداعات أتت بعد ذلك بكثير، فالمخرج الشهير ألفرد هيتشكوك لم يتقن صناعة التشويق باحتراف إلا لما جاوز الخمسين، والعمر نفسه احتاجت المهندسة زها حديد أن تصل إليه لتنال الاعتراف الواسع بقدراتها في التصميم، وحصلت على جائزة وهي أعلى جائزة هندسية في بريطانيا (مرتين!)، وكرّمتها الملكة إليزابيث ومنحتها لقباً تشريفياً، وأبعد من ذلك (56 سنة) للرسام بول سيزان ليقدم أول عرض للوحاته، التي أبدعت في حركة فنية تسمى ما بعد الانطباعية، وأما الرسامة جورجيا أوكيف فلم يبدأ الناس يسمعون اسمها إلا في الخمسينيات من عمرها، ولم تنل شهرة حقيقية إلا في سبعينياتها، وظلت تُنتج وتبدع حتى نهاية حياتها لما قاربت المئة.

إن سنين الحياة إذا كثرت لديك كانت مثل نبال إبداع في جعبتك، تكون مزيداً من الخبرة والمشاعر التي تسقي إنتاجك العلمي والفكري والأدبي والفني، وتقدر أن ترى الحياة وتعبّر عنها من زوايا ومنظورات لا يقدر عليها الشاب ذو النظرة المحدودة، الذي لم ير ما رأيت ويشعر بما شعرت. انطلق وأبدع!