الفخ التقني

جريدة الرياض
16-07-2019

حينما يُسمَح لك بأن تعبر طريقا مفروشا بالإثارة والسرور، وتتاح فيه محال ومراكز للبيع والتفاعل والمكاسب.. طريقا متوهجا متجددا أتيح لك "ببلاش"، فجذبك للعبور من خلاله، تعتاد عليه وعلى كل المحال على جانبيه.

ويُشغل كل فرد به فلا يعرف دربا غيره.. وتمر الأيام ويزداد الالتصاق والتعلق.. فيصبح الطريق جزءا من حياتك، وعبوره شيئا من سلوكك.. وتتخيل أن الحياة كلها اُختزلت فيه، فلا تظن أنك تستغني عنه.

فجأة تسمع أنه تم إقفال الطريق ولم يعد يصرح لك بالمرور عبره، وتتلاشى كل الموجودات فيه، ويصبح ما حولك فارغا.. وتسحب حياتك المصنوعة فيه منك بسهولة.. ولا طريق غيره.. كيف يكون أمرك ساعتها.. مؤكد ستنهار.

هذا ما يحدث لنا اليوم في الفخ التقني ومصائد تطبيقاته، وتأثير نطاقاته.. كلنا منجذب وغافل وملتصق بالشبكات ومضامينها.. فشكّل التعامل والدخول فيها نمطا وسلوكا معتادا.. لا يتخيل أحدنا أن تلك الشبكة التي أدمن الدخول فيها والتفاعل مع محتواها أنها ستتلاشى وتذهب مع الريح، ولا يرد في عقله هذا الأمر، ولن يعرف أحد ما يمكن أن يحدث لكل مستخدم ومشهور ومهووس بها.

اليوم تلك الشبكات تمثل قوة وأسلوبا للسطوة والسلطة والنفوذ.. ومن يملك التقنية ويسيطر على المعرفة والاتصالات كأميركا، يسيطر على مجريات الأمور واتجاهاتها.. ويملك التأثير والاستعمار الثقافي والمعرفي والاقتصادي الهائل.

ولنتخيل أن يتم حجب تلك الشبكات والتطبيقات في النطاق السعودي، ولنتصور أن نمنع من "جوجل" ومن منتجات "مايكروسوفت" و"أبل" وبرامجهما وتطبيقاتهما التي اعتمدنا عليها.

تخيلوا يتم حجب تطبيقات التصقت بها واستفدت منها وامتزجت حياتك بها.. تطبيق حجوزات طيران أو فنادق أو يطمس حساب لمشهور، أو يلغى حساب لجهة حكومية تتفاعل مع مستفيدين، أو لا يسمح لك باستخدام الإنترنت.. وما فعلته أميركا بالصين بشأن قضية هواوي برهان واضح على حجم وقوة الأثر الذي سيصدم العالم أو الدولة أو الجهة المتأثرة، ولولا ترتيبات الصين المتحفزة وقدرتها على إنتاج نظام تشغيل خاص بها وبأجهزتها لهزمت اقتصاديا وانهارت سياسيا ولعادت إلى الوراء أحقابا.

هنا يجب أن نستفيد من الدرس، فواقعنا المضطرب المتقلب وكون التقنية تم جعلها سلاحا للسيطرة والتأثير؛ لذا بجانب الواقع الحالي وتحفزا لأي طارئ قد يستجد حولنا توجب التفكير بقوة وعمق يسهم في تطوير رؤى وخطط تتماشى مع رؤيتنا 2030، وبوجود أقمار صناعية تخصنا، وتوفر عقولا بيننا.. وجب علينا ابتكار وصنع شبكات اتصالية ونظام تشغيلي خاص بنا، وشبكة إنترنتية داخلية تستوعب تطبيقات وبرامج وخيارات تقنية تحفظ المحتوى الوطني، وتضمن ثبات الأمور، وتُبقي حلقة التواصل والاتصال فيما بيننا.