لصوص العالم الافتراضي

جريدة الرياض
15-07-2019

في أحد مشاهد الفيلم الشهير Catch Me If You Can يدور حوار بين بطل الفيلم الذي يجسد دوره ليوناردو ديكابريو وفتاة تعمل في أحد البنوك، يقوم ليو من خلاله باستغلال وسامته وعذوبة لسانه في الغزل للحصول على معلومات منها تفيده في عملية احتياله القادمة. وبالفعل استطاع الحصول على ما يريد بمجرد كسبه لثقتها في عدة دقائق، ليوناردو جسد في الفيلم شخصية المحتال العالمي المعروف فرانك أباغنيل والذي يعد أحد أبرع العقول التي عرفها العالم في مجال الهندسة الاجتماعية السلبية.

المحتال أباغنيل كان يكرس عبقريته في دراسة الشخصيات والطرق الملتوية للالتفاف على القانون، وهو ما قاده إلى انتحال شخصيات الطيار والمحامي والطبيب وعمل في كل تلك الوظائف ببراعة مدهشة إلى درجة أنه استطاع اجتياز امتحان نقابة المحامين، حيث كان حريصا على فهم أدق تفاصيل المهن التي ينتحلها. إلا أنه ورغم دهائه الشديد وقع في قبضة الشرطة بعد سنوات طويلة من الاحتيال.

قصة فرانك تعاود الظهور بأشكال مختلفة، خصوصا بعد أن تزايد الاهتمام أخيرا بالهندسة الاجتماعية واستغلالها في الجوانب السلبية، ويأتي ذلك بعد التطور الكبير الذي شهده مجال الاحتيال الإلكتروني، إذ لم نعد نرى مثلا الرسائل الساذجة التي تصل من أرملة في تنزانيا تعرض على الضحية مشاركتها في ورث زوجها مقابل المساعدة في تحويل المبلغ للخارج، فصناعة الاحتيال انطلقت نحو نماذج مقنعة إلى حد مذهل، كما أن الوسائل لم تعد حكرا على البريد الإلكتروني، بل تجاوزت ذلك إلى كافة وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى الاتصال الصوتي المباشر واستغلال الحيل النفسية للتأثير في الضحية.

الاحتيال الإلكتروني لا يقتصر على السعي وراء الحصول على مبالغ مادية فحسب، فهذا النوع هو مجرد قمة الجبل العائم، إذ أن هنالك نماذج أكثر خطورة تتمثل في سرقة المعلومات وفتح ثغرات أمنية تمكن الجهات المعادية من الحصول على معلومات سرية ناهيك عن استخدام الهندسة الاجتماعية في تجنيد الإرهابيين ونشر الأيديولوجية المتطرفة.

الحروب في المستقبل القريب ستأخذ مسارات مختلفة عن أشكالها التقليدية، وستعتمد بشكل كبير على الجانب التقني، لذلك من المهم جدا رفع مستوى الوعي لدى جميع مستخدمي التقنية في معرفة مدى خطورة الاحتيال في العالم الرقمي وطرق تفاديه والتعامل معه في حال وقوعه، ابتداءً من المدارس وانتهاءً ببيئات العمل، مع التركيز بشكل خاص على تلك البيئات التي تتعامل مع معلومات حساسة، الهيئة الوطنية للأمن السيبراني تبذل جهوداً كبيرة في هذا المجال، لكن من المهم أيضاً أن يتم تأصيل وترسيخ الوعي بمخاطر الاحتيال والقرصنة في كل القطاعات الحكومية والخاصة.