هل استحممت في الطشت؟

جريدة الرياض
15-07-2019

في طفولة جيل الطيبين كان يوم الاستحمام معاناة على الأم، ومتعة عند الأطفال.

الطشت الضخم يوضع في الحوش، إذا كان الجو حارا، ويوضع في دورة المياه في الشتاء، وتقوم الأم بتسخين تنكة مملوءة بالمياه فوق الدافور، ثم ترص أبناءها في الطشت، وهي تفرك رؤوسهم بالتايد، إذا كانت الأوساخ كثيرة، أو بقطعة صابون.

تنكة واحدة من المياه الساخنة كانت تكفي لاستحمام أطفال البيت، قبل أن تلفهم بالمنشفة وهم يرتجفون حول فنجان شاي، وقطعة تميس، ينهي أحداث يوم حافل قضوه في الشارع، ويهيئهم لغد أكثر إشراقا ونشاطا وشقاوة.

ملابسهم المتسخة، تقوم الأم بجمعها في نفس الطشت، وتقوم بغسلها، مجتمعة بمياه تنكة أخرى، قبل أن يتم نشرها على حبل تحت الشمس.

مقالي هذا محاولة لنقل الحال، وليس للتفضيل، فلكل فترة من حياتنا فرصة لأن تكون الأفضل؟

المياه كانت شحيحة في الأحياء، والحاجة تخلق القدرة على الاقتصاد في المياه، فعدة تنكات من المياه، كانت تكفي أهل البيت جميعا، في شربهم، وطبخهم، وغسيلهم واستحمامهم، بينما نجد الوضع الحالي غير منظور، فالطفل الواحد يدخل دورة المياه، ويستهلك في (بلبطته)، ما كان يكفي كامل أهل الحي.

تبدأ المياه بالتدفق غزيرة من الصنابير، في حوض الاستحمام، ويتم تغيير سرعاتها، وشدتها، وحرارتها عدة مرات، والطفل لم ينزع ثيابه بعد.

وبعد انتهائه، يتم جمع ملابسه المتناثرة، وغسيلها بكميات ضخمة من المياه.

الجميع في الزمن الحاضر يتذمر ويصرخ من الحر، ومن رائحة العرق، ويستحم مرات عديدة في يومه، وربما يغطس مرات في مسبح البيت.

البعض يهتمون، ويوازنون نسبة الاستخدام للمياه، بالطرق الطبيعية، خوفا من الفاتورة بحيث لا تتجاوز فترة الاستحمام أربع دقائق، والبعض يفعل رحمة بالطبيعة، وبناء على الحملة العالمية، التي تنادي بذلك حتى في أكثر المدن العالمية غزارة في المياه.

والبعض يبذر، لدرجة أن المياه الزائدة المهدرة، تسد المجاري، وتخرج من حدود البيت للشوارع، وهو يعتذر بشدة الحر، وكميات الغبار، وعدم انتباه مراقبي التسربات في البلديات.

وزارة البيئة والمياه والزراعة تقوم بجهود عظيمة أقرب للمعجزة، وتسعى لتوصيل المياه لكل منزل، في مدن وقرى متشعبة متزايدة، وهي تتعامل مع مختلف الفئات، والطبقات، وبوجود من لا يفكرون بغير أحواضهم.

والوزارة حريصة على متابعة الاستهلاك الزائد عن حده، وإصلاح الخلل في حالات التسرب، وحفظ القطرة، وسط مناخ وبيئة صحراوية تستلزم الحرص، وعدم التبذير.

التطور وتشييد البنية التحتية للوطن، ساعدت على تغيير الطشت بالأحواض، وعلينا جميعا المساعدة في تأصيل رطوبة كبودنا وأكباد البشر بالوعي البيئي، في كوكب يعاني من العطش والجفاف والتصحر.

والحكومة السعودية قادرة على صنع العجائب، والمحافظة على المياه الجوفية، والتسريع في بناء وتشغيل عدد من المحطات النووية لتحلية مياه البحر، ومشاركة العالم في حل الأزمة.