الجيوش الإلكترونية والقوات السيبرانية المرابطة!

جريدة الرياض
15-07-2019

حجم المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة والمزيفة التي تتعرّض لها المملكة اليوم؛ يثير تساؤلاً مهماً: لماذا يكرهوننا؟، والجواب باختصار لأننا أفشلنا مشروع الفوضى في المنطقة، وكشفنا أهدافه، ورموزه، والدول التي تقف خلفه، وأعدنا بناء التحالفات الإقليمية والدولية التي تحقق مصالحنا، ومضينا برؤيتنا إلى حيث نريد أن نكون..

تمثّل "أجندات التضليل" في الممارسات الإعلامية والاتصالية أحد أخطر حروب الجيل الرابع التي تشهدها المجتمعات في عصر المعلومات، حيث تسعى دول ومنظمات وأحزاب وجماعات إلى تضليل الرأي العام في مجتمع ما، وتأزيمه، وتلوين مفاهيمه، من خلال حملات إعلامية منظمة تستثمر فيها تعدد مصادر الحصول على المعلومات، وتنوع وسائلها، وشبكات تواصلها، ثم توظيف حقائقها في سياقات زمنية وموضوعية بناءً على قائمة من الأجندات التي تسعى في النهاية إلى تهديد الأمن والاستقرار الاجتماعي، كذلك ما تمثّله المعلومة اليوم كإحدى أهم أدوات الصراع في الوصول إلى الحقيقة، وأكثرها تنافسية بين وسائل الإعلام، ومشروعية في الحصول على تفاصيلها.

نحن اليوم في زمن الحملات الإعلامية التي شرعنت الحق في صناعة المعلومة وحرية التعبير عنها بلا مسؤولية مهنية أو أخلاقية أو قانونية، وتحولت دوافعها من مجرد حملات تضليل وتلوين للحقائق إلى تأثير في سمعة الدول والمجتمعات ورموزها، بل أكثر من ذلك إلى أيديولوجيا عابرة للحدود تمارس مهمة اختراق الرأي العام إلكترونياً، وتداعب فيه أفكار الشباب من الجنسين لأداء دور الممانعة والخروج عن النص، حيث أظهرت دراسة معهد أكسفورد للإنترنت على 28 دولة من أن إيران تتصدر الجيوش الإلكترونية، يليها في المرتبة الثانية الهند، ثم تركيا، بينما لا يزال الأمن السيبراني في العديد من الدول يواجه خطرها، ويرابط في الصفوف الأمامية من شبكات التواصل الاجتماعي لصد تلك الهجمات.

لقد تحولت حملات التضليل الإعلامي في الفضاء السيبراني الجديد إلى عمليات تجارية تُقدم فيها خدمات التلاعب بالرأي العام، من خلال بيع أدوات، أو برامج، أو بيع خدمات المؤثرين، أو تسويق حملات التضليل وتزييف الرأي العام، حيث أصبح هذا النوع من التجارة رائجاً في العالم اليوم، ويؤدي دوراً بديلاً عن المواجهات المباشرة بين الدول، والأسوأ من ذلك أساليب بعض الحكومات والمنظمات -مثل قطر وتركيا- في تسريب المعلومات عن واقعة أو حادثة معينة، ثم إعادة تدويرها من أطراف إعلامية أخرى، وتوزيعها على مستهلكين جدد؛ بهدف التأثير في الرأي العام للضغط على السلطات، وانتعاش المساومة في سبيل إيقاف تلك التسريبات؛ لينتهي المشهد إما بالإذعان، أو التصدي لتلك التسريبات بإعلان الحقيقة.

القوات السيبرانية السعودية المرابطة على جبهات التواصل الاجتماعي وقبلها في غرف العمليات المشتركة لإفشال هجمات الفيروسات المتكررة كل ثانية على مواقع حيوية وحساسة؛ أظهرت أن هناك استعداداً وطنياً مؤهلاً للتصدي، وحساً أمنياً عالياً نجح في مهماته الاستباقية، وقطع الطريق على أي محاولات لاستغلال الثغرات، أو الفجوات، والجميل أن هناك شعباً واعياً لكل هذه التفاصيل، حيث أصبح بمفرده ومجموعة شريكاً في عمليات الكرّ والفرّ في مواجهة حالة التصعيد المستمرة من أعداء المملكة، والنهوض بمسؤولياته إلى حيث يكون في الأمام المتحفز دفاعاً عن حضوره ووعيه ووطنه.

حجم المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة والمزيفة التي تتعرّض لها المملكة اليوم؛ يثير تساؤلاً مهماً: لماذا يكرهوننا؟، والجواب باختصار لأننا أفشلنا مشروع الفوضى في المنطقة، وكشفنا أهدافه، ورموزه وأحزابه، والدول التي تقف خلفه، وأعدنا بناء التحالفات الإقليمية والدولية التي تحقق مصالحنا، ومستوى علاقاتنا، وثقل إمكاناتنا، وحجم استثماراتنا، ومضينا إلى حيث نكون ونريد برؤية طموحة، واتخذنا مع ذلك أسلوباً جديداً في التصدي لحملات التضليل، من خلال السخرية الإعلامية والاتصالية لإحباط معنويات العدو، وإفشال مشروعه، وتقزيم حضوره، وتعرية أكاذيبه، حيث كانت الردود شاهدة على وعي المجتمع وقوة تحصينه من أي مظاهر اختراق، كما تعبّر اللغة المستخدمة والصور الثابتة والمتحركة قصة أخرى في الرد الساخر لخلق الابتسامة بديلاً عن التأزيم الذي كان يريد أن يصل إليه العدو.