الرياض بيننا وبين الأجيال القادمة

جريدة الرياض
15-07-2019

مازلت أتمنى أن تحتفظ أمانة مدينة الرياض ببعض أحياء الرياض القديمة، وخاصة التي تجمع بين تصاميم بيوت الستينات وبين تصاميم بيوت الرياض في السبعينات التي هي نهاية بيوت الطين، ثمة أحياء في وسط الرياض القديمة مازالت بكامل بيوتها القديمة، بعضها تهدم ولكن يبقى الكثير على حاله القديم، بطريقة أو أخرى سيعرف المهندسون كيف نعيدها مرة أخرى للحياة، الرغبة في الحفاظ على الذكريات لا يتوقف على الحنين للماضي، فالحنين سوف يتوقف تأثيره بمغادرة آخر من عاش فيها.

المدينة مجتمع له جذور، كيان يستمر في النمو والتقدم متكئ على امتداداته في الماضي، هذا الماضي مصدر إلهام، سواء بتركه أو بالتعلم منه، لكي تعرف الأجيال الجديدة على مر العصور كيف كانت مدينتهم، وحجم المسافة التي سارتها في التقدم.

في أربعين عاما تغيرت الرياض بصورة خارج الأحلام، مع الأسف لا أحد يتحدث عن تقدم الرياض بقدر ما يتحدثون عن تقدم دبي، كيف كانت دبي قبل ثلاثين سنة وكيف حالها اليوم، لا شك أن دبي اليوم ليست دبي قبل ثلاثين سنة، زرتها في أواخر السبعينات، تناولنا طعامنا في مطعم أقرب إلى العشة، لا تزيد عن شارعين وبعض الأسواق الشعبية البسيطة، دبي اليوم مدينة المدائن واحدة من أعظم المدن في العالم. تتحدث عنها الصحف العالمية كما تتحدث عن نيويورك ولندن وطوكيو، لكن هذا لا يعني أنها تركت الرياض وراءها، الرياض سبقت دبي في كثير من نواحي التقدم، الشيء الذي جعل الرياض خارج المنافسة مع المدن الكبرى الطابع المحافظ الذي بالغت فيه في السنوات الأربعين الماضية، أصبحت مدينة لأهلها وللعاملين فيها فقط ولكنها لم تتوقف عن النمو، كل شيء فيها أصبح أكبر من قدرتها على البقاء مدينة منغلقة، لم يكن ينقصها سوى الانفتاح على العالم، وهو ما يجري الإعداد له اليوم، عندما تكتمل مشروعاتها الحضرية كالقدية والنقل العام وصالات المسرح والسينما.. الخ، سوف تقف مع المدن الكبرى في مكانها الذي تستحقه، واحدة من كبريات المدن وأكثرهم تقدماً، مدينة كوزموبولتية، أجناس وأعراق وثقافات واحترام متبادل.

لكن المدن ليست بتقدمها وإنما بماضيها أيضا، فالتقدم متاح للجميع ولكن لكل مدينة ماضيها الذي يكسبها خصوصيتها وتميزها ويعبر عن مسارها الحضاري.

لا أظن أن أي لندني عاش في لندن في بداية القرن العشرين سوف ينكر لندن اليوم، عندما يعود سيرى المدينة التي عرفها وعاشها وسيرى المدينة الجديدة، عظمة لندن أن احتفظت بكل العصور التي مرت عليها منذ العصر الروماني.

الاحتفاظ بمعالم الماضي لا يعني أن تحتفظ بنفس المباني التي بناها الأجداد ولكن الاحتفاظ بالطراز وأسلوب الحياة، هذه المباني المتهدمة يمكن إعادة بنائها من الصفر بطريقة حديثة ولكن على الطراز القديم.

إذا هدم وسط الرياض سوف ندفع ثمناً باهظاً ستعاقبنا الأجيال القادمة عليه.