الأحوال المدنية ورسالتها اللغوية

جريدة الرياض
24-05-2019

في كل مرّةٍ أجد فيها اسماً كُتِب بصورة خاطئة أحاول تنبيه صاحبه، أو صاحبته إلى الصورة الصحيحة للاسم، فيأتيني الردّ بكل ثقةٍ بأن هذا الاسم قد اعتُمِد من قبل الأحوال المدنية، وكنتُ في نفس الوقت أحاول أن أثبتَ لأولاء بأن في الاسم خطأ، لكنهم يصرّون على أن الاسم صحيح؛ لأنه قد دُوِّن في سجلات الأحوال المدنية، ومن ثم فقد اكتسب الصفة الرسمية، وعندئذٍ لا داعي للخوض في صحة الاسم من عدمه، فما يزيدني الأمر إلا مرارة؛ مرارة الخطأ، ومرارة الترويج له بمسوغات واهية.

وفي الوقت الذي تُشكر عليه (الأحوال المدنية) على جهودها الطيّبة في توجيه المواطنين، وحثهم على الانتقاء الأفضل لأسماء مواليدهم، وسلامة تلك الأسماء من حيث مواكبتها للبيئة، والعادات، والأعراف، والتقاليد، والثوابت، فإنني هنا أودُّ منهم ألا يغفلوا عن أهم نقطة في هذا الجانب، وهي الإسهام في نشر لغتنا الصحيحة، والعناية بطرائق كتابتها السليمة، وعدم التهاون والتساهل في هذا الأمر، فربما صنعت الأحوال المدنية بهذه الهفوة - كتابة الاسم بشكل غير صحيح - ثقافة من الخطأ، يسير عليها عامة الناس فيما بعد، ظنّاً منهم بأن هذا هو السائد والمألوف.

ولئن كان اسم الإنسان عنواناً له، ودالاً عليه، وكاشفاً عنه، فإن ظهوره بشكل لائقٍ معنى ومبنى أمر من الضروري بمكان، فليس الهدف فقط من الاسم إشهاره وإعلانه فحسب، وإنما الأهم في ذلك هو أن تكون دلالاته متنوعة ومتعاضدة، لا يشوبها شائب، ولا يشوهها أحد، وهنا فإن على الأحوال المدنية أن تنتقي القائمين على (تبليغ الولادات) وموظفي (تسجيل الواقعات) وذلك بأن يكونوا على قدر من الاهتمام والإلمام، ولا بأس من تخصيص لجنة، أو وحدة، أو قسم لهذا الشأن، يتعاون مع أقسام اللغة العربية في الجامعات، أو مع المختصين في مجال اللغة والأدب، ويكون همه التحاور والتشاور، والإجابة عن التساؤلات ذات الإشكال. والأهم أن تضطلع الأحوال المدنية برسالتها في خدمة اللغة العربية، وتحسين صورتها، لا سيما أنها لغة وطننا الرسمية الذي هو قبلة العربية، ومأرزها.