قضاء دين الميت من الزكاة

جريدة الرياض
24-05-2019

والمسألة مفروضة في الميت الذي لم يترك وفاءً لدينه، أما إذا كان في التركة ما يسدِّد دينه، فإن الزكاة الواجبة عليه تخرج من التركة. فإذا كان هذا الميت لم يترك وفاء لدينه فهل يجوز إخراج الزكاة لتسديد دينه؟

اختلف العلماء في ذلك اختلافاً قوياً ــ وإن وصفه بعض الفقهاء بأنه اختلاف ضعيف ــ ومردّ قوة الاختلاف ــ في نظري ــ إلى قوة الاستدلال لكلا الطرفين. وننطلق من قوله تعالى: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل" والغارم في الآية قسمان: أحدهما: الغارم لإصلاح ذات البين. والثاني: من غرم لنفسه ثم أعسر، فإنه يُعطى ما يوفى به دينه. فهذا القسم الثاني هل يدخل فيه الميت الذي لم يترك وفاء لدينه فيسمى غارماً؟

اختلف العلماء في ذلك على قولين:

القول الأول: وهو مذهب جمهور أهل العلم واختيار ابن عثيمين من المعاصرين: أنه لا يجوز قضاء دين الميت من الزكاة. واستدلوا على ذلك:

أ-أن الآية التي بينت مصارف الزكاة لا تنطبق على الميت لأن ذمته قد خربت بموته فلا يسمى غارماً.

ب-ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقضي ديون الأموات من الزكاة، بل كان في بداية أمره عليه الصلاة والسلام إذا أُتي بالميت ليصلي عليه؛ سأل: هل عليه دين؟ فإن أُخبر أن عليه ديناً، لم يصل عليه، وقال لأصحابه: "صلوا على صاحبكم" فلما وسَّع الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، صار يتحمل الدين عن الميت الذي ليس له وفاء، ويصلي عليه. وفي كلتا الحالتين: لو كان قضاء الدين عن الميت من الزكاة جائزاً لأرشد إليه عليه الصلاة والسلام.

ج-قال ابن قدامة: الغارم هو الميت ولا يمكن الدفع إليه وإن دفعها إلى غريمه صار الدفع إلى الغريم لا إلى الغارم.

د-وهو نظر مصلحي بيّنه ابن عثيمين: بأنه لو فتح هذا الباب لعطل قضاء ديون كثير من الأحياء؛ لأن العادة أن الناس يعطفون على الميت أكثر مما يعطفون على الأحياء، والأحياء أحق بالوفاء من الأموات.

القول الثاني: يجوز قضاء دين الميت من الزكاة، وهو مذهب المالكية، واختيار ابن تيمية، وابن باز من المعاصرين.

واستدلوا على ذلك: بالآية الكريمة المذكورة أعلاه، ووجه الدلالة: أن عموم الآية يشمل قضاء الدين عن الغارم، ولم يُفرَّق فيها بين الحي والميت. كما قالوا: إنه يجوز التبرع بقضاء دينه، فجاز قضاء دينه من الزكاة كالحي. أيضا: أن دين الميت أحق من دين الحي في أخذه من الزكاة؛ لأنه لا يرجى قضاؤه بخلاف الحي.

وهكذا ترى أن القولين متقاربان في القوة؛ من خلال النظر في أدلتهما. والذي يظهر لي أن القول الذي ذهب إلى عدم جواز قضاء دين الميت من الزكاة هو الأصح، لا سيما إذا نظرت في استدلاله "ب".