الإرهابي والوشاح الأحمر

جريدة الرياض
24-05-2019

منظر الصراع العنيف، الذي نشهده بين الثور وبين لون الوشاح الأحمر يحتاج إلى تفكيك علمي للمعاني وتفنيد للأفكار والتصرفات وردود الفعل حتى نصل إلى فهم منطقي لما يحدث في حلبات مصارعة الثيران، وربما من خلال ذلك نتمكن من استيعاب ما حولنا وعلاقة الشرق بالغرب، وكيف تتكرر نفس المنظومة الفكرية اللونية بين الجانبين.

الثور مخلوق يمتلك درجة من الفهم أقل بكثير من خبث ودهاء من يلوحون له باللون الأحمر، فيظل عاجزا عن الربط والتحليل، وغير قادر على تغيير نمطه المتشدد، مهما تكررت عمليات استفزازه، فتثور أعصابه في كل مرة وكأنها تحدث لأول مرة، بعجز كامل عن فهم الواقع، واستدراك الخيبة، التي تحدث له يوما بعد يوم.

الثور مخلوق محدود الفكر، مصاب بفوبيا الوشاح الأحمر، وهو يمتلك يقينا عظيما بضرورة القضاء على هذا الأحمر المختلف، الذي يضره، ويهدد حياته، وآخرته، ولو سألته عن أسباب تخوفه هذا لما وجد الجواب المقنع، فهو يعتمد على مسلمة تاريخية عرفها بالتقادم عن أجيال سبقته، وهو لا يملك حتى إن يفكر بأكثر أو أبعد من ذلك، ولذلك فإنه جيل بعد جيل يستمر في خوفه وثورته وغضبه ومقاتلته لكل مختلف معه.

لا يمكن أن يعرف الثور لغة الحوار، ولا المناقشة بعقلانية التعددية، ولا أن يمسك بالكتب المختلفة، والتي كتبها الفلاسفة، وعلماء النفس، والعلماء الفاعلون في العوالم البعيدة عن عالمه، ليدرك أن أسباب خوفه غير مبررة، وأن من حقه الابتعاد عن هذا اللون، وليس من حقه منع الآخرين عن لبس اللون الأحمر، وأن عليه التعايش مع المختلف، والاقتراب منه، وترك المجال له للمرور أمامه، مهما اختلف معه، وأنه لن يقتله لو لامس ظهره أو قوائمه ورأسه فهو لون من ضمن ألوان خلقها الله في تنوع موجودات الكون.

الثور القاصر التفكير له وجهة نظر واحدة، لا تتغير، ولا يقبل لها بديلا، مع أن كثيرا من العلماء يؤكدون على أن عيون الثور لا تميز أصلا بين اللون الأحمر وكثير من الألوان الأخرى، ولكن الفكرة المتجذرة في مخيلته الضيقة متصلبة لا تزول، ولا تتأقلم مع الوقت، ولا تلين بالمراقبة والمتابعة والتجريب، فيظل عدوا للأحمر على كل الأحوال.

ونعود للإرهابي، أو المتشدد، والذي يتخذ دور الثور، المستفز، الأحادي الفكر، فلا يفهم أن أفكار ومعتقدات الآخرين المختلفة عن مفهومه سنة الله في الكون، وأنها حرية شخصية لهم، لا يجب عليه الخوف منها ولا الحرص على تغييرها، بأن يهيج وينطح ويحاول قتل كل من يعتقد أنه أحمر.

المتشدد شخصية مستثارة، فهو يرى أنه وحده من يمتلك الحقيقة الكونية، مثل رؤية الثور الواحدة، ولذلك نشط البعض في الشرق والغرب في عمليات استفزازه، وعمل الاحتفالات العظيمة، للتمتع به وهو يحك حافريه على الأرض تحفزا، ويفح من أنفه نقمة، ويهجم على كل من يعتقد أنه مختلف بتوشح لون لا يرضاه.

الغرب يدرك وجود هذا النقص الفكري والعقلي والنفسي لدى المتشدد والإرهابي، والذي في المقابل لا يفهم الخدعة الكبرى، ولا يفكر في تطوير مرئياته، ولا يتمكن من التعايش مع الآخرين وألوانهم بسلام.

منظومة معقدة يصعب حلها، فإما أن نقوم بعمليات زراعة مخ بشري للثور، أو أن يتم التلاعب في جيناته، حتى يتمكن بعقله المطور من تقبل العيش مع الآخر، مهما اختلفت ألوانه، أو أن يتم إبادة كل الثيران في الكون، حتى لا يستمر نهجهم الثائر المستفز، الكاره للتلون والاختلاف.

والحل الأصعب المستحيل، والذي لا يمكن أن يحدث حتى في حكايات ألف ليلة وليلة، هو محاولة إفهام الثيران وإقناعهم أن الله قد خلق الكون متعدد في الفكر واللون والاعتقاد والحرية الشخصية، وأن من حق كل شخص أن يختار ألوانه وأفكاره، ضمن حدود حقوق الإنسان، فلا يجبر الثور أحدا أو يمنعه من التعامل مع اللون الأحمر.

ألم أقل لكم إنه حل مستحيل؟