المملكة دولة سلام

جريدة الرياض
24-05-2019

الثورة الإيرانية وقادتها من الملالي لم تستفد من دروس التاريخ الكثيرة ومن الفشل الذريع لكل الحكومات التي حاولت تصدير الثورة إلى خارج حدودها لأغراض الهيمنة والتوسع سواء اعتمدت على أسس دينية أو قومية، مع إحكام القبضة وتكميم الأفواه بين مواطنيها في الداخل لإسكات أي معارضة قد تفشل مخططاتهم.

أسباب كثيرة جعلت من العالم العربي مكانا مفضلا لصراع الدول الكبرى في الشرق والغرب، ومن أهم تلك الأسباب موقعه المميز بين القارات والممرات المائية المهمة وما به من ثروات، وضعف حكوماته التي استقلت بعد الحرب العالمية الثانية، وزرع دولة إسرائيل في قلب العالم العربي وسعي الغرب لحمايتها بكل الوسائل والخطط القريبة والبعيدة المدى، فعلى سبيل المثال بدأت مصائب العراق بعد قيام إسرائيل مباشرة، فقد كان في العراق قرابة مئة وعشرين ألف مواطن عراقي يهودي يعملون بالتجارة والصناعة والثقافة والعلوم، وفي العام 1950 قامت المنظمات اليهودية المتطرفة وخاصة منظمة الهاقاناه بقيادة مناحيم بيقن باستثمار الاختلافات الدينية بين المسلمين واليهود وخططت لأعمال إرهابية ضد مصالح اليهود مستخدمة المتطرفين من المسلمين ففجروا الأندية والمتاجر وأماكن تجمعات اليهود ثم أسقطت الحكومة العراقية جنسياتهم العراقية وهاجر معظمهم إلى إسرائيل، كما توالت بعد قيام إسرائيل الانقلابات العسكرية التي جلبت الخراب والدكتاتورية ومصادرة كل جميل في الدول العربية وخاصة الدول الكبيرة المجاورة لإسرائيل وهي مصر وسورية والعراق، وكانت المملكة محظوظة بوجود قائد استثنائي هو الملك عبدالعزيز الذي عرف مراكز القوى على مستوى العالم ورزقه الله بمستشارين مخلصين من جنسيات مختلفة وهو ما جعله يتخذ القرارات الاستراتيجية التي تصب في مصلحة المملكة وتجنيبها تبعات الصراعات الإقليمية والعالمية.

وفي العام 1979 وصل الخميني على متن طائرة جامبو فرنسية ومعه الكثير من أتباعه والمراسلين الغربيين من مختلف المحطات التلفزيونية والصحف ليجعلوا منه قائد ثورة ومؤسس حكومة إيرانية بنيت على أسس طائفية وغيبيات بنكهة فارسية تتحكم في عقول أتباعها مما زاد الصراعات والقلاقل والحروب في المنطقة العربية حيث تبنت حكومة طهران سياسة تصدير الثورة على أسس طائفية والعمل على إيجاد منظمات وأحزاب مسلحة داخل البلدان التي يوجد به أنصار لها أو ثغرات أمنية كما هو في العراق ولبنان وسورية واليمن، وكما هو في غزة ومناطق أخرى حاولت أن تجد فيها موطئ قدم كجيبوتي والصومال وجزر القمر وبعض الدول الأفريقية الأخرى مستغلة حاجة تلك الدول إلى المعونات أو وجود مناصرين لها في تلك الدول، ولولا وقوف المملكة في وجه تلك التدخلات لكانت النتائج كارثية.

الثورة الإيرانية وقادتها من الملالي لم تستفد من دروس التاريخ الكثيرة ومن الفشل الذريع لكل الحكومات التي حاولت تصدير الثورة إلى خارج حدودها لأغراض الهيمنة والتوسع سواء اعتمدت على أسس دينية أو قومية، مع إحكام القبضة وتكميم الأفواه بين مواطنيها في الداخل لإسكات أي معارضة قد تفشل مخططاتهم.

ومن أخطر ما قام به نظام ولاية الفقيه سعيه الحثيث لامتلاك السلاح النووي وتطوير منظومة الصواريخ ليصبح أكبر مهدد للأمن والاستقرار في العالم وهو ما حدا بالولايات المتحدة لفرض حصار اقتصادي أساسه إيقاف تصدير البترول وهو الشريان الرئيس الذي يغذي ميزانية الدولة ويعطيها القدرة على تنفيذ برامجها ومخططاتها التخريبية في دول الجوار العربي، متناسية القدرة التدميرية الهائلة التي تمتلكها الولايات المتحدة لتدمير مراكز الأبحاث والمنشآت النووية مهما كانت حصينة ومحمية بدفاعات جوية هي أضعف من أن تتصدى لأي هجوم لديه القدرة على التصويب ومن مسافات بعيدة وارتفاعات عالية وبدقة متناهية.

والمملكة اليوم وهي أقوى من أي وقت مضى تنسق عملياتها وتدريباتها مع القيادة المركزية الأميركية لحماية المنطقة وضمان حرية الملاحة والاستعداد للتعامل مع أي عمليات استفزازية قد تقوم بها إيران، وفي نفس الوقت المملكة أبعد ما تكون عن الرغبة في قيام حرب مدمرة تأكل الأخضر واليابس وتجلب الخراب والدمار للمنشآت الحيوية في كل دولة، لكنها لن تتردد في التصدي لأي عدوان يفرض عليها وكما أشار وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير في تصريحاته عن الأزمة والسماح بإعادة انتشار القوات الأميركية داخل عدد من دول مجلس التعاون.

العدوان والمؤامرات على الوطن العربي مستمرة من أكثر من جهة وبعض الدول يسوؤها أن ترى دولا عربية مستقرة ومزدهرة مثل المملكة والإمارات العربية المتحدة ولذا فهي لن تألوا جهداً لإيقافها وسلب خيراتها وزرع القلاقل حولها، ولذا يجب أن نكون حريصين على بناء علاقات متوازنة وتحالفات قوية مع كل القوى المؤثرة في العالم.