بالتأكيد الفيزياء ممتعة!

جريدة الرياض
24-05-2019

قبل أيام أسدل الستار على أحد أطول وأنجح المسلسلات الفكاهية الأميركية، بلغ عدد حلقاته 279 على مدى إثني عشر عاماً، المثير في الأمر أن المسلسل اعتمد وبشكل أساسي على قوانين الفيزياء وفروعها في قصصه وقفشاته!

المسلسل العلمي الفكاهي الذي سمي بأحد أشهر نظريات نشأة الكون: "نظرية الانفجار الكبير"؛ يتابع قصة أربعة فيزيائيين شباب لم يتوقع أكثر المتفائلين نجاحه، ليتصاعد الانتشار ويقفز نحو المركز الأول منذ موسمه السابع بين مجمل المسلسلات الفكاهية خلال العقد الأخير.

شرارة الفكرة قدحت حينما حكى منتج وصانع الدراما التلفزيونية "بيل برادي" لرفيق مهنته "تشاك لوري" عن حياته في "نيويورك" خلال الثمانينات كمهندس حاسب آلي، عن أصحابه العباقرة الذين كان يتسكع برفقتهم، والذين رغم معدل ذكائهم المرتفع إلا أنهم كانوا غير موفقين في علاقتهم الاجتماعية، ومنها ابتكرا قصة علماء الفيزياء الشباب الذين يعملون في معهد كاليفورنيا للتقنية، ويجتهدون أن يعيشوا كما الشباب الجامح، بدلاً من الأفكار المكررة للمسلسلات الفكاهية التقليدية التي سبق ونجحا فيها، فأضحى أبطال الحدث شباباً يتحدثون بمصطلحات علمية تُسقط على مواقف اجتماعية ومفارقات يومية، وبجانب قضاء وقت ممتع ومبهج، استطاع المسلسل تمرير الكثير من المعلومات والنظريات العلمية، فجميع حلقات المسلسل مُهرت بأسماء تجارب ونظريات ومبادىء علمية، ما عدا الحلقة الأولى التي حملت اسم "التجربة"، ناهيك عن مشاركة علماء بشخصايتهم الحقيقية في أحداث المسلسل، كالعالم الراحل "ستيفن هوكينج"، وعالم فيزياء الفلك "نيل تايسون"، وعالم الفيزياء النظرية "كيب ثورن"، أو ناشري العلوم مثل "بيل نآي" أو "إيلون ماسك" أو حتى "بيل جيتس" مؤسس مايكروسوفت، وبالتأكيد هنا لا يمكن إغفال الجهد الجبار للمستشار العلمي أستاذ الفيزياء والفلك "ديفيد سالتزبيرج"، الذي يراجع النصوص ويقترح الحوار، ويوفر المعادلات الرياضية والرسوم البيانية على السبورة وغيرها.

استطاع المسلسل أن يثبت مفهوم "نصف العمر"، "الكهرباء الساكنة"، أو حتى "الطرد المركزي"، مواضيع تتقاطع مع يومياتنا، ومن الممكن أن تمسي أسباباً للاستمتاع بلحظات ممتعة مع مهووسي العلوم والتقنية، الذين يستغلون مبادىء الفيزياء التطبيقية في حلّ معضلاتهم، حتى في مجادلاتهم حول قدرات الأبطال الخارقين في المجلات المصورة!

لم يكن الهدف السخرية من مهووسي العلوم والتقنية بقدر ما كان إعطاؤهم صوتاً ومساحة أمام الجمهور, لدرجة أن معجبي المسلسل تعلموا المنهج العلمي المبني على الملاحظة والمقارنة، وخرجوا بنظرية أن لون قميص بطل المسلسل الدكتور "شيلدون" يعكس مزاجه، فارتداء القميص الأحمر يعني أنه غاضب، بينما البنفسجي يدّل على الحب، والأصفر أنه خائف، وهكذا دواليك!

بالتأكيد العلوم والتقنية وعلى رأسها علوم الفيزياء ممتعة.. فقط تحتاج الوسيلة والمحتوى الذي يقدمها بالشكل البسيط والجذاب للجمهور المتعطش، ونحن في منطقتنا العربية أحوج ما يكون لترويج العلوم ونشرها، ولا أسهل وأكثر وصولاً من الدراما الساخرة أن تقوم بذلك.