حرب وعميل

جريدة الرياض
21-05-2019

أثناء الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918م علاوةً على احتدام المعارك خاض البريطانيون والألمان حرباً واصفاً إياها "غرين" أنها الأقل شهرة إبان الحرب العالمية الأولى، جاءت للسيطرة على شمال إفريقيا. وكان المسؤول عن المُخابرات البريطانية حينها "الكولونيل ريتشارد" وكان مُنافسه عند الجانب الألماني رجل أصوله عربية وتضمنت مهمة الإنجليزي إمداد الألمان بمعلومات زائفة وحاول جاهداً خداع العربي ولكن يبدو أنهما متساويان باللّطافة المُخابراتية إضافة إلى تميزهما بالخِداع والمكر والدهاء، إذ باءت كل محاولات الإنجليزي بالفشل.

وأخيراً أرسل الإنجليزي رسالة إلى العربي يشكره فيها على خدماته كعميل مزدوج وعلى المعلومات القيّمة التي وفّرها للبريطانيين، كما أنه أرفق مبلغاً باهظاً من المال مع الرسالة وأوكل مهمة إيصال الرسالة إلى أقل رجاله كفاءة؛ مما أدى إلى أن يقبض الألمان عليه وعلى الرسالة التي بحوزته وبعدها قام الألمان بتصفية الرجل والعربي بصمت مُحكم!

هكذا تُصبح ضحية دون أن ترسم أُسساً صلبة لمواجهة عدوك قبل المعركة وأثناءها وبعدها، إن العالم بدا اليوم أكثر ذكاءً وعقلانية، والمرء لا يصدق سوى ما تراه عيناه وكل ما هو عقلاني ومنطقي. وإن ما يسمى باستراتيجية التضليل عبر الإعلام بات أمراً مُضحكاً، وهذا أمر طبيعي إن أُعطيت الأدوار لغير مُختصيها فلكل زمان عقول ودُهاة، وأدوات مُتغيرة ومتطوّرة.

واليوم نشهد تصعيداً أميركياً - إيرانياً غير مسبوق، والقوات الأميركية تصل للخليج العربي ليس للنُزهة أو لإلقاء تجارُب لأسلحتهم العسكرية؛ إنما يبدو أن هناك خطوة جادة للصراع العسكري بين أميركا - إيران، وبالطبع لن يمر هذا الصراع مرور الكرام على دول الخليج العربي وحتى الدول العربية جميعها والإسلامية.

ورسائل إيران عبر عُملائها تصل بشكل مُمنهج عبر الخارطة الجُغرافية للخليج العربي وتحديداً لقبلة الإسلام والمسلمين "مكة المكرمة" وفي بداية أي حرب أو قبل أن تبدأ يستطيع الرئيس أو القادة العسكريون والمؤسسات المساندة "كالإعلام" أن يُمارسوا السُلطة بطريقة أكثر مكراً من الإنجليزي ذاته، بشرط أن يوظّف الجميع ما يملكه من عقل وفكر ومال بفعالية أكبر، يجب أن نفعلها الآن وأن نُمارس هذه السُلطة قبل وقوع الصراع، فما المانع أن يُقضى على عُملاء بذريعة الازدواجية؟ هل يا تُرى سنستمر في تقليم الأظافر دون الانقضاض على الرأس المُدبِّر ونبعثه إلى حبل المشنقة؟

يجب أن نتعلّم الدرس جيداً من صديقنا الإنجليزي "رجل المُخابرات" كما أن هناك دروساً مُشابهة وأكثر براعة من الإنجليزي فقط تُتاح لمن أراد أن يبحث ويقرأ في التاريخ.

يجب أن نُعيد العقل من سراديبنا ومن يستعصي عليه إعادته يجب أن يعود إلى مكانه وحجمه الحقيقي وأن يعطي الآخرين فُرصة.. وإلاّ ستوقظ الحرب الحيوان في الذات البشرية ويلتهم الآخر "آخرين كُثر" ويفوتنا الأوان!