هل التعبئة الأميركية ستُغير السياسة الإيرانية المتطرفة؟

جريدة الرياض
21-05-2019

التحدي الإيراني الصريح والمباشر للسياسة الأميركية، وللعقوبات الاقتصادية والمالية والاستثمارية، وتجاهلها المتواصل للمطالب الأميركية الداعية لضرورة مراجعة الاتفاق النووي، دفع الولايات المتحدة للتصعيد تجاه إيران عسكرياً..

عام الثورة الخُمينية، هو بداية لأعوام من الافتراق السياسي بين إيران ومعظم جيرانها خاصة الدول العربية. عام تفرد الخُميني بالسلطة، هو بداية لعقود من عزلة النظام السياسي الإيراني عن مجتمعه في الداخل وعن محيطة الخارجي والدولي. عام استئثار الخُميني بشؤون الحكم، هو بداية الانطلاقة الفعلية للتنظيمات والجماعات الإرهابية، وتأسيس الميليشيات المسلحة في المنطقة، وانتشار الفكر الطائفي المتطرف على المستوى الإقليمي. عام تمكن الخُميني من كافة مصادر القوة في إيران، هو بداية تراجع مستوى الأمن الإقليمي، ومؤشر سلبي لحالة السلم والاستقرار الدولي، وبداية التدويل الأمني والعسكري في منطقة الخليج العربي. لقد كانت ثورة شعبية أرادها الإيرانيون إيجابية، ولكن الخُميني القادم من الخارج استأثر بها وجعلها حركة سياسية فوضوية.

هذا النهج المتطرف الذي قامت عليه السياسة الإيرانية جعلها في عداء مستمر مع المجتمع الدولي. تطرف بدأ بانتهاك أسس القانون الدولي عندما تم الاعتداء على السفارة الأميركية بطهران وأسر جميع العاملين فيها من الدبلوماسيين والموظفين؛ ثم امتد تطرفها للتدخل في شؤون الدول العربية عن طريق زرع خلاياها التجسسية، وإرسال عملائها ومرتزقتها لزعزعة أمن وسلم واستقرار الدول المعتدلة، ودعم وتبني العناصر والأحزاب والجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية، وإرهاب الآمنين من ضيوف الرحمن والتعدي على المعتمرين والحجاج في بيت الله الحرام والزائرين لمسجد رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. هذا السلوك الإرهابي تصاعد حتى وصل لتدخلها المباشر في معظم الأراضي العربية عن طريق عناصرها المتطرفة وتنظيماتها الإرهابية وميليشياتها الطائفية حيث شاركت في إبادة وقتل وتعذيب مئات الآلاف وتهجير الملايين.

هذه السلوكيات المتطرفة فرضت على المجتمع الدولي التعامل بصرامة شديدة مع النظام الإيراني الذي أثرت سياساته الإرهابية بالأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي. ففرضت عليها أقصى العقوبات الاقتصادية، وقيدت حركته المالية، وتوقفت الاستثمارات الأجنبية، وتم تخفيض نسبة مبيعاته النفطية. لقد كانت عقوبات دولية شبه شاملة هدفها تقويم السلوك الإيراني ودفعه لتغير منهجه السياسي ليساهم في الأمن والاستقرار بدلاً من الهدم والتخريب؛ ولكنها عقوبات لم تنجح، بل أدت لمزيد من السياسات السلبية. فبدلاً من العودة للمجتمع الدولي والعمل بقوانينه، عملت إيران وبشكل سري على تطوير برنامجها النووي حتى تمكنت من تخصيب اليورانيوم، وسعت لبناء منظومتها الصاروخية الباليستية، واستمرت في إمداد الأحزاب الإرهابية والحركات الانفصالية والميليشيات الطائفية بشتى أنواع الأسلحة والكوادر التدريبية، وواصلت تهديداتها باستهداف الملاحة البحرية في المياه الدولية وإغلاق مضيق هرمز لإيقاف تصدير النفط للأسواق الدولية، وسعيها المتكرر لاستهداف مصادر الطاقة العالمية وتعطيل منشآت الإنتاج في الدول المصدرة. إنه تصرف طبيعي وسلوك معتاد قام به النظام الإيراني، لأنه على ذلك النهج المتطرف تأسس ووضع دستوره واختير قادته.

وأمام استمرار النظام الإيراني في زعزعة أمن وسلم واستقرار المجتمع الدولي، بادرت الولايات المتحدة باتخاذ خطوات سياسية منها تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، وفرض عقوبات اقتصادية ومالية شملت منع تصدير النفط، وحظر التعاملات المالية والاستثمارية. وبما أن هذه مثل العقوبات الاقتصادية والمالية والاستثمارية اعتاد عليها النظام الإيراني خلال العقود الماضية واستغلها سياسياً لفرض مزيد من القيود الداخلية وتحقيق أجندته الخارجية؛ فإن ردة فعله على هذه العقوبات الحالية تجاوزت الرد المعتاد إلى التهديد الصريح باستهداف أمن الملاحة البحرية الدولية وتهديد سلامة ناقلات النفط والتلويح بإغلاق مضيق هرمز وتهديد استقرار ونمو الاقتصاد العالمي، والتصريح المباشر بقدرتها على تحريك حلفائها وأدواتها من التنظيمات المتطرفة والميليشيات المسلحة لزعزعة أمن واستقرار المنطقة والعالم.

هذا التحدي الإيراني الصريح والمباشر للسياسة الأميركية، وللعقوبات الاقتصادية والمالية والاستثمارية، وتجاهلها المتواصل للمطالب الأميركية الداعية لضرورة مراجعة الاتفاق النووي، دفع الولايات المتحدة للتصعيد تجاه إيران عسكرياً بإرسال قطع عسكرية نوعية للتواجد في المياه الدولية المحيطة بإيران؛ في عملية سياسية أشبه ما تكون بالتعبئة العسكرية في أدنى صورها. يبدو أن الغرض من هذا التصرف الأميركي هو ممارسة مزيد من الضغوطات السياسية والعسكرية والاقتصادية على إيران لتقوم بتعديل سلوكها السياسي وتتخلى عن التطرف والإرهاب وتمتنع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى! فهل ستنجح هذه السياسة الأميركية الناعمة في تغير العقيدة السياسية المتطرفة والأيديولوجية الفكرية الإقصائية التي قام عليها النظام السياسي الإيراني؟!

وفي الختام من الأهمية القول إنه من الخطأ الجسيم الاعتقاد أن النظام الإيراني سوف يتخلى عن عقيدته السياسية المتطرفة أو يدين أيديولوجيته الطائفية أو يبتعد عن أفكاره الإقصائية وممارساته الإرهابية وسلوكياته الإجرامية. إنه نظام مُتطرف قام على جماجم ودماء وجثث شركاء الثورة، وتفرد بالسلطة بعد تصفية رموز وقادة ومفكري المجتمع، وفرض نظام حكمه الإقصائي على مدى أربعة عقود بإرهاب أبناء الشعب الإيراني. فهل من الممكن أن يتغير سلوك النظام الإيراني بعد أربعة عقود من التطرف والإرهاب؟! تساؤل أثبتت العقود الماضية عدم صحة طرحه في وقتنا الحاضر، فإيران لن تتغير بالضغوطات السياسية والاقتصادية والعسكرية مهما كان حجمها، وإنما الذي يجعلها تتغير وتتوقف عن تطرفها هو استخدام الولايات المتحدة الفعلي والمؤثر لقدراتها وإمكاناتها العسكرية الحاسمة. فعندها إما أن يتغير سلوكها المتطرف، أو أن يتغير نظامها السياسي.