العاصوف الثاني

جريدة الرياض
21-05-2019

معظم التعليقات على مسلسل العاصوف تطرح موضوعين لا ثالث لهما: هل استطاع المسلسل أن يصور الرياض في السبعينات؟ ولماذا لم يطرح المسلسل حتى الآن كيف بدأت الصحوة؟

سؤالان خارج منظور أي عمل فني، لا يمكن لأحد أن يسأل فيلم العراب مثلاً عن فترة الثلاثينات أو الأربعينات في نيويورك، احترافية العاملين على الفيلم هي التي تحافظ على الخلفية الثقافية والاجتماعية والمظاهر المادية للزمن الذي تدور فيه الأحداث، المشاهد لا يتابع الأعمال الفنية الخيالية لكي يرى فترة معينة أو حياة مدينة، العالم بأسره شاهد فيلم العراب واستمتع به دون أن يلقي بالاً لمدينة نيويورك أو حقبة الثلاثينات التي دارت فيها أحداث الفلم. من يضمن لي أن فلم الانسحاب من سايغون صور سايغون كما كانت في ذلك الزمن، استمتعت بمشاهدة الفيلم كما استمتع غيري، هذا ما ذهبنا لصالة السينما من أجله. ماكاندو البلدة التي دارت فيها أحداث رواية مئة عام من العزلة والتي تعد واحدة من أهم روايات القرن العشرين لم توجد سوى في مخيلة مؤلفها.

العمل الجيد يعتني بالملابس والإكسسوارات التي تنتمي للعصر الذي تدور فيه الأحداث كواحدة من جماليات العمل وليس من تاريخانية الحدث، المشاهد مقيد بالجانب الإبداعي للعمل فقط.

من المشكلات التي أضعفت مسلسل العاصوف هو غياب الجانب الروائي، المتمثل في عمق الشخصيات وتنامي الأحداث ثم تناسلها من بعضها البعض وأن يولد كل حدث جديد على أنقاض حدث يتلاشى. ستلاحظ أن أحداثاً كثيرة في العاصوف معزولة، وهذا ما جعل الشخصيات غير متداخلة ومشتتة المصائر. السبب في ظني من بين عدة أسباب أن كاتب العمل لم يتخيل لشخصياته تاريخاً فكتبهم دون أن يعرفهم حق المعرفة، سارع في بنائها لكي تملأ اللوحات التي صممها للعمل، لم يتجل لنا تاريخ أي من الشخصيات الرئيسية في تصرفاته. كمشاهد لا أستطيع أن أستنطق أي شيء عن طفولة خالد من خلال تصرفاته. كاتب الرواية أو القصة السينمائية يبني تاريخاً لكل شخصية رئيسية في النص قبل أن يدورها في الأحداث على المسرح، ليس المطلوب منه أن يعرضها في العمل، المطلوب أن يعرفها، عمق الشخصية هو الفارق الأساسي بين عمل فني رائع وعمل ضعيف.

أي عمل درامي هو صراع بشر باستثناء الروايات البوليسية، صراع فيما بين الشخصيات أو في داخل النفس الواحدة، الإنسان رهينة تاريخه، لكي تعرف فنية العمل انظر إلى الشخصيات، هل تماهيت مع أي منها؟ هل أحببت هذه الشخصية وكرهت تلك وهل شبهت تلك الشخصية بقريب أو بعيد.. إلخ. فالشخصيات هي جوهر العمل الدرامي وليس الحقبة التاريخية أو الميدان الذي تدور فيه الأحداث.

مشكلة العاصوف قريبة من المشكلات التي يواجهها كاتب الرواية، يبحث القارئ العربي في الرواية التي يقرؤها عن شخصية المؤلف على أساس أن الرواية مجرد مذكرات كاتبها محرفة قليلاً. يتركون الفن والمتعة بحثاً عن صلات مع الواقع، الأمر الذي يفسد الفن والواقع معاً. العاصوف مثال ناصع، ضاع! لا نعرف هل ننظر إليه كعمل فني أم ننظر إليه كعمل وثائقي.