تويتر مسرح السرقات

جريدة الرياض
21-05-2019

أستعير جزءاً من عنوان هذا المقال من اسم كتاب الناقد المبدع الأستاذ محمد العباس (تويتر مسرح القسوة) الذي صدر مؤخراً، ورغم أنني لم أطّلع على مادة الكتاب حتى الآن إلا أنّ عنوانه لفت نظري لكونه يصف جانباً من جوانب التفاعل الذي يحدث بين ملايين المتابعين على مسرح تطبيق «تويتر»، ويذكر العباس في الحوار الذي أجراه معه الزميل طامي السميري أنه «حتى الكائن المسالم لا يسلم من الأذى بمجرد ظهوره على مسرح «تويتر»؛ حيث تناله شظايا الاعتراكات مباشرة، بعد أن يتم تصنيفه وفق قواعد الاشتباك العرقي والطائفي والمذهبي والأيديولوجي». إضافةً إلى حتمية تعرّض الشخص لشتى أنواع الشظايا في تويتر فإن المبدع على وجه الخصوص مُعرّضٌ لأمرٍ مزعج، طالما تعرّض له، وهو السطو على إنتاجه الأدبي ونسبته إلى غيره أو إسقاط اسمه من ذلك الإنتاج. وهو في تويتر، على وجه الخصوص، عاجزٌ أشد العجز عن منع ذلك السطو أو إيجاد الجهة التي يمكن أن تسترد له حقه المسلوب.

في وسائل الإعلام التقليدي كان من أضعف الإيمان أن يجد المبدع الضحية شيئاً من التعاطف في حال تعرضه للسرقة بواسطة التنويه عن تلك السرقة والتشهير بالسارق، أمّا في تويتر فإن عمليات السطو على إنتاج الآخرين أضحت لشيوعها حدثاً روتينياً لا يُلقي له المرء أدنى اهتمام، ووفقاً لرأي ناقدنا الكبير الدكتور عبدالله الغذّامي عند حديثه عن العديد من الممارسات السلبية في تويتر في كتابه (ثقافة تويتر) فإنّ سرقة التغريدات «لم تعد جريمة معنوية بما أنها صارت من الانتشار لدرجة أنّ البعض يدافع عنها بزعم أن المقصد الفائدة وتعميمها ويطلب منك أن تقبل هذا بمعنى أن تغريدتك عمت وأفادت وتحتسب الثواب عند الله»!

شيوع السرقات في تويتر وشعور بعض الشعراء الشعبيين بلا جدوى الشكوى والحديث دفعهما لتوجيه خطابهم مباشرةً لإدارة تويتر علّها تقوم بأي ردة فعل، فالشاعر نايف أبا العون عبّر عن مشاعر الضيق من سرقة إنتاجه، وناشد تويتر بالتحرّك والقيام بأي خطوة تكفل حفظ حقوق المبدع الذي يتسلح بموهبته لاصطياد الأبيات النادرة؛ ليأتي من يسطو على صيده بكل سهولة وراحة ضمير، يقول أبا العون:

يا تويتر سو لك حاجة فريدة

تحفظ حقوق الجميع بشيء رسمي

ما يصير أتعب ورى الشارد وأصيده

واللي ما عنده سلاح يشيل قسمي

كل ما غرّدت تغريدة جديدة

غرّدوا فيها كثير وشالوا اسمي

ما يضايقني وأنا رجّال سيده

غير شخصٍ من حلالي شال وسمي

ويتحدّث الشاعر سدّاح العتيبي عن انتشار ظاهرة «لصوص النصوص» بلهجة ساخطة على إدارة تويتر، فهي كما يرى تقف موقف العاجز المتفرّج الذي لا يفعل أي شيء يساعد على حفظ حقوق الشعراء المبدعين:

لصوص النصوص تراقب الشعر وتبوقه

لا حطّيت لك بيتين راحت بأساميها

وتويتر ما يقدر يعطي الشاعر حقوقه

تحوفه حراميّه.. ولا يلتفت فيها

وفي ظل الانتهاك الصارخ للحقوق، من فئة المتابعين الذين تجاوزوا حرية التعبير المتاحة إلى حرية النهب، يجد الشاعر المبدع نفسه بين نار الابتعاد عن نشر أي جديد والتضحية بإغراء المتابعة الواسعة والتفاعل الكبير مع إنتاجه من المغردين، وبين نار الحضور والصبر على مرارة مشاهدة إبداعه ينتشر بأسماء كثير من «لصوص النصوص».