ماذا يفعل الشقيري؟

جريدة الرياض
20-05-2019

لا أعرف الإعلامي أحمد الشقيري شخصيا ولا يعرفني، ولم يسبق أن التقيته وجها لوجه؛ لذا فشهادتي فيه "غير مجروحة" عندما أزعم أنه قدم البرامج الأكثر ثراء وجمالا في شهر رمضان، مقابل موجة هائلة من الأعمال الغثة السمجة، التي أغرقت شاشاتنا. أحمد صنع سلسلة من البرامج المعبأة بالمحتوى الهادف، التي ما زالت عالقة في أذهاننا، لكنني سأتحدث هنا عن الوثائقيات التي قدمها عن الحرمين المكي والمدني، تلك الأعمال التي كشفت لي مقدار جهلي وجهل كثيرين مثلي بما يُبذل في أهم بقعتين نعتز بهما في بلادنا، مكة والمدينة.

أظهر العملان الوثائقيان اللذان قدمهما أحمد الشقيري، "إحسان من الحرم"، و"إحسان من المدينة"، مناطق جديدة في تلك البقاع لم نعهدها من قبل؛ شبكات ضخمة من المعامل والمرافق والمختبرات، وجيوش بشرية تعمل على مدار الساعة لضمان راحة الزوار. يأخذنا الشقيري بأسلوبه الممتع في رحلة استثنائية لرؤية أدق التفاصيل حول الحرم، تلك العاديّات التي نمر أمامها ولا نعلم حجم الجهود التي تبذل للمحافظة عليها وإبقاء المكان بالرونق والترتيب ذاته.

الدقة والنظام الصارم في كل شيء هما ما جعل تلك الأمكنة الصغيرة قابلة لاستقبال الملايين من مختلف الثقافات والخلفيات من دون أن تتأثر بمرورهم. سقيا زمزم ليس مجرد ماء يستخرج ويفرغ في حاويات بلاستيكية، بل يمر بعملية معقدة ومراحل دقيقة واختبارات صارمة حتى يصل إلى أيدي الناس. السجاد الذي يفرش في الحرم والبالغ عدده 16 ألف سجادة، يمر أيضا بمراحل دورية من الغسل والتنشيف والتعقيم والتعطير، وتتم متابعة السجاد إلكترونيا عن طريق "باركود" لمعرفة موقع السجادة، ومتى تم غسلها، وموعد التنظيف المقبل. باختصار، كل ما تراه يمر بمراحل دقيقة من التمحيص والتدقيق والاختبار.

هذه مجرد لمحات بسيطة لما تعرض له الشقيري في "إحسان من الحرم" و"إحسان من المدينة"، وبقي كثير من تفاصيل التفاصيل والأبواب الخلفية التي فتحها وكشفت لنا مقدار الجهد الهائل الذي تبذله الدولة في إدارة الحرمين وتشغيلها. أهمية هذين العملين تكمن في تعريفنا بعظم المسؤولية التي نتحملها، وإذا كنا نحن أبناء البلد لم نعرف من قبل هذه التفاصيل، فمن باب أولى أن بقية المسلمين حول العالم لا يعلمون بها.

وأخيرا؛ الشقيري بهذين العملين وضع بين يدي وزارات الإعلام، الخارجية، والثقافة، فرصة ذهبية لدعم القوة السعودية الناعمة في الخارج، وليس على تلك الوزارات إلا ترجمة هذين العملين إلى عدة لغات، ووضع خطة لنشرها وتسويقها في أنحاء العالم؛ إذ من المهم جدا أن يعلم المسلمون في كل مكان حجم ما تبذله المملكة وأبناؤها من جهود كبيرة لخدمة هذه البقاع المقدسة وضيوفها.