مفارقات فهم الفراغ

13-01-2019
عبداللطيف الزبيدي

هل يزعجك فهم الفراغ ؟ هل يشعر دماغك بأن فراغاً حدث حين يتخلص ذهنك من الهموم؟ هذا يوحي في احتيال واضح بأن للغمّ وجوداً أصيلاً في الجمجمة، بالتالي يترك فراغاً إذا انسحب، ما يخلخل النظام العام في الجسم، أي أن نظام تشغيل الدماغ أقل أصالة من الهموم.
هذه محاولة تبسيطية، مثل وسائل الإيضاح في الابتدائية، سعياً إلى فك الرموز المعقدة في لغة السياسيين. منذ إعلان الرئيس ترامب عن سحب قواته من سوريا، والعسكريون الأمريكان ونواب المجلسين، والمسيو ماكرون و«إسرائيل» طبعاً يستصرخون، يستنجدون، يستنفرون: «وافراغاه!». كأن أجداد أبراهام لنكولن هم الذي شادوا حضارة أوجاريت. هل كان مغفلاً ذلك الذي أطلق عبارة «البلد عامر بأهله»؟ ملايين السوريين هُجّروا قسراً وأخرجوا من ديارهم، ولم يخطّ الإعلام العالمي حرفاً عن أنهم تركوا فراغاً، أو أن وطنهم يحن إلى الأحياء، ويقف على أطلال الراحلين، بينما مغتصبو فلسطين دموعهم ثرّارة مدرارة على تلكؤ ألفي جندي أمريكي في الرحيل، ولمّا يرحلوا، بل إن صاحب واشنطن لا يقر له قرار، فالنقائض متوازية متتالية، إذا قال شيئاً نفاه: «إلا كما تمسك الماءَ الغرابيلُ».
عندما تسير السياسة على خطى العلم تصبح تكسير رأس. الفيزياء الحديثة حاسمة: الفراغ ليس فارغاً. هو الذي يعطي المادة شكلها، بل قل وجودها، وإن كان الوجود فلسفياً لا علمياً. لو زالت فراغات جسم الإنسان لتعذرت رؤيته بغير المجهر الذري. يعني لكي يغدو لسوريا وجود، يجب أن يظل الألفا جندي هناك. تأمل: هذا الوجود غير مادي، بدليل أن الإرهاب الذي استولى على أكثر من خمسين ألف كم/مربع، لم نسمع كثيراً عن أنه ترك فراغاً وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة. أما الجنود الأمريكان، فيبدو أنهم «روح البلدان». على الدول العربية أن تدرس بعمق كيف تسعى المخططات إلى تغيير نظرة الشعوب إلى النظام العربي 180 درجة. لكن لا تشعرون.
لزوم ما يلزم: النتيجة التوضيحية: يأتي المحتل يشرد السكان ويدمر المدن، يستولي عليها، فإذا ادّعى الانسحاب، صاح العالم «الحرّ»: دخيلك!

abuzzabaed@gmail.com