لأن قدرنا الاختلاف والتعدد

13-01-2019

شيماء المرزوقي

التسامح يعلمنا واحدة من أهم قيم الحياة، هي التسليم بالاختلاف، بل أن يكون جزءاً من تفكيرنا وجوهرنا، بأن لا نستغرب ولا نندهش ولا نذهل ولا نصاب بالحيرة عندما نسمع من يقدم آراء مغايرة لما نؤمن به أو عندما تقال كلمات لا تتماشى مع تفكيرنا.

التسامح يقودنا نحو فضيلة المعرفة الرئيسية العميقة وهي أننا بشر خلقنا الله مختلفين متنوعين، والتسامح يقول لنا أن نؤمن بهذا التنوع، وبأن لا نخاف منه ولا نحاربه أو نقف ضده أو أمامه كحاجز. ويمكن النظر لواحد من أهم أسس المجتمعات وهي الأسرة، لتجد الأب والأم يدخلان في خلافات ونقاشات طويلة، وبعد أن يرزقان بأطفال ويكبرون، تصبح لهم آراء تختلف عن الأب والأم، وينظرون للحياة نظرة مغايرة، وهنا يولد الخصام والتشابك داخل الأسرة، ولكن التسامح يعطي مساحة لمثل هذا التنوع ولمثل هذا التطور، وهو التفهم والفهم، ولن تستطيع التفهم وأنت غير متسامح أو وأنت لا تتمتع بقيم التسامح، فكيف تقنع إنساناً عصبياً يؤمن بأن ما يقوله هو الحقيقة وما يفكر فيه هو الصحيح والأمثل؟ كيف تقنعه بأن الحياة تطورت وباتت هناك مسلمات جديدة وآراء متنوعة؟ أمثال هؤلاء تجدهم يختصمون ويختلفون حتى مع أقرب الناس لهم، مع أحبتهم أولاً ثم مع مجتمعاتهم. فإذا كان الاختلاف والتباين قدرنا ولا مجال لنا للانفكاك أو الهرب منه، فلماذا لا نستحضر التسامح كقيمة حياتية يرتب لنا وينظم لنا هذا المجال؟

يعتقد البعض أن التسامح يعني التنازل عن الحقوق، أو ضياع هيبة العدالة، أو أنه يعطي المعتدي أملاً بالعفو، أو يوجه رسالة للخارجين عن القانون أنهم سيهربون دون حساب. مثل هذا الظن أو الاعتقاد خاطئ تماماً، بل فيه لبس واضح وتشابك للأفكار، لأن التسامح يقود نحو العدالة ويمنح مساحة واسعة للقانون للتحرك. وحتى نفهم آلية ووظيفة التسامح يجب أن نعرف ميدانه ومكانه أين بالضبط. فالتسامح يقوم ضد التعصب. ضد الكراهية. ضد الاعتداء على الآخرين تحت أي بند أو موضوع. وإذا أمعنا النظر في هذه النقاط، ندرك أن كثيراً من الجرائم التي تقع في عالم اليوم ويكون مصدرها العصبية والكراهية ونبذ الآخرين والاعتداء عليهم، فإن التسامح يلغيها تماماً ويقف ضدها.

التسامح فضيلة وقوة للمجتمع، وهو حامٍ لهذا المجتمع، ويساعد على تماسك ولحمة المجتمعات، ويقودها نحو المستقبل بأمن ورخاء، فإذا كان الاختلاف قدرنا وجزءاً من تكويننا البشري، فإننا نحتاج لقيمة تنظم وترتب هذا الجانب، والتسامح هنا مكانه ومكانته.

Shaima.author@hotmail.com

www.shaimaalmarzooqi.com