الذاكرة المسروقة.. هل تعاد؟

13-01-2019

د. حسن مدن

لن ننسى أبداً ذلك المشهد الذي كانت الفضائيات الأجنبية تبثه بدايات دخول الغزاة الأمريكان لبغداد في العام 2003، حيث وقف الجنود الأمريكان المدججون بالسلاح يتفرجون على الرعاع وهم يسرقون نفائس المتحف الوطني العراقي من التحف التاريخية التي لا تقدر بثمن، ويحملونها بأيديهم أمام أعين وبصر هؤلاء الجنود الذين لم يحركوا ساكناً لحماية المتحف وما فيه، كما يليق بجنود أمة متحضرة، فيما زملاء لهؤلاء الجنود مدججون بالسلاح نفسه يُطوقون مبنى وزارتي المالية والنفط، ويحولون دون اقتراب أحد منهما.

الرسالة واضحة في هذا، فهي تلخص الغاية التي أرسل هؤلاء الجنود من أجلها في العراق: «استباحة أراضيه وانتهاك سيادته، ثم السطو على مقدراته وثرواته، فليس هؤلاء الجنود معنيين بالحفاظ على تراث البلاد وتاريخه وثقافته، ما يذكرنا بقول شاعرنا الكبير محمود درويش عن «خوف الغزاة من الذكريات».

لهذا المدخل علاقة بخبر جرى تداوله في الفترة الأخيرة، عن تقرير قُدّم للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعدّه الخبير الاقتصادي السنغالي فلوين سار ومؤرخة الفنون الفرنسية بنديكته سافوا، يوصي بإدخال تعديلات قانونية تسمح بإعادة القطع الأثرية التي استولى عليها الفرنسيون من البلدان التي استعمروها في القارة السمراء، لبلدانها الأصلية.

وكان ماكرون قد وعد في لقاء مع طلبة من بوركينا فاسو، بألا يبقى «التراث الإفريقي ضمن مقتنيات أوروبية خاصة وفي متاحف»، وتشير تقديرات إلى أن نحو 90% من التراث الثقافي الإفريقي موجود حالياً في أوروبا، وأن متحف كواي برانلي في باريس يضم وحده نحو 70 ألف قطعة أثرية إفريقية، مثله مثل المتحف البريطاني في لندن.

كان وجود الآثار الإفريقية، بما فيها الآثار الفرعونية بالمناسبة، في المتاحف الأوروبية والغربية عامة محل نقاش، بين قائلين إن الغربيين حين نقلوا هذه الآثار لبلدانهم فترة الاستعمار قد حموها من الاندثار والضياع، حيث لم تكن هناك حكومات في البلدان الأصلية قادرة على حمايتها، وأيضاً لأنه لم يكن قد تشكّل بعد وعي بالقيمة التاريخية لهذه الآثار.

إذا قبلنا جدلاً بهذا القول في فترات سابقة، فإنه لم يعد مقبولاً بعد أن انتفت تلك المبررات، فالبلدان صاحبة هذه الآثار باتت دولاً مستقلة ذات سيادة، وما انفكت حكوماتها تطالب باستعادة ثرواتها من الآثار المعروضة في المتاحف الغربية، حيث جُنيت من ورائها أرباح هائلة، هذا إذا لم نتحدث عن آلاف، وربما عشرات آلاف التحف، التي سرقت وبيعت وتحولت إلى ملكية خاصة تزيّن قصور الأثرياء الغربيين.

madanbahrain@gmail.com