«بريكست» ألماني

13-01-2019
علي قباجه
 
يعيش الاتحاد الأوروبي في مرحلة حساسة جداً، مملوءة بالمفاجآت، وتتسم بالفوضى السياسية، إذ إن «العقد» بات مهدداً بالانفراط، مع عزم بريطانيا الانسلاخ المؤكد، وصعود الأحزاب الشعبوية التي تدعو إلى الخروج من الاتحاد، وترى أن البقاء فيه يثقل البلاد بالأعباء المادية، واللاجئين. وبرز في الآونة الأخيرة صعود اليمين القومي في ألمانيا ممثلاً بحزب البديل، الذي يستعد لبدء حملة تدعو للانفكاك والخروج من «حصن» القارة العجوز.
 الحزب بدعوته للانفصال يهدد الاتحاد بأبرز أركانه، وعموده الفقري، فمن المعلوم أن ألمانيا تعد من الدول التي قادت الاتحاد ودعت إلى تقويته ورص صفوفه وتنمية قدراته، وفي حال نجح الحزب في حصد الأغلبية في الانتخابات المقبلة فإن وحدة أوروبا تصبح على المحك، وقد تصير في طي التاريخ. ومن غير المستبعد فوز هذا الحزب في ظل تراجع حظوظ حزب أنجيلا ميركل، وتنامي النزعة العصبوية الرافضة لاستقبال اللاجئين.
 ولم تقتصر دعوات الانفكاك عن الاتحاد على ألمانيا فقط، إذ تزايدت الدعوة نفسها في فرنسا وإيطاليا ودول عدة، ولكن لألمانيا خصوصية مختلفة، ففي حال حكمها اليمين القومي، فإن وجه العالم قد يتغير، فهي ركيزة أساسية في الاتحاد ومن أكبر المساهمين في تمويله، ولها نفوذ قوي في القارة، وبانفصالها، فإن أحلافاً قديمة قد تنهار وتتصاعد النزعات العنصرية، ويرتفع منسوب العداء للأجانب، وتستيقظ حركات الانفصال، والأقاليم الراغبة بالاستقلال.
 
ف«البديل» الألماني أصبح أكبر حزب معارض بعد فوزه بنسبة 13% في الانتخابات عام 2017 مستفيداً من موجة الغضب التي عمت البلاد إثر قرار المستشارة الألمانية فتح الأبواب أمام المهاجرين في 2015، في حين يهيئ اليوم لقاعدة صلبة تمكنه من الحصول على اختراقات في الانتخابات المقبلة لإحداث تغييرات جوهرية في سياسة برلين تجاه أوروبا، وفي حال العجز عن التغيير الذي ينشده؛ فإنه حتماً سينتقل للخطوة الأخرى بطلب «بريكست ألماني» أي الانسحاب والانكفاء على الذات.
دول أوروبا تواجه في مجملها تحديات عميقة، والمعسكر المعتدل واليساري يتعرض لضغوط جمة على الصعد كافة، داخلياً وخارجياً، فالأزمات التي زرعت بذورها الحركات الشعبوية قد نمت وترعرعت، كما تكرس الحديث عن القومية، وبدأت فصول أوروبا ما قبل الحرب العالمية الثانية تعود إلى الواجهة مجدداً، إذ انتشرت في تلك الحقبة الأحلاف وتنامت المشاعر القومية. واندلاع الحرب العالمية الثانية كان من أبرز مسبباته العنصرية، فهتلر سعى إلى توسع ألمانيا في محيطها الحيوي، ولكن الظروف اليوم اختلفت ولن تأكل دول الاتحاد نفسها بحروب طاحنة كالسابق، ولكن تشظيها قد يؤدي إلى ضعفها وليس من السهل تفاديه، في ظل الابتزاز الأمريكي الترامبي لها، والترقب الروسي لها.
ومع استفحال الحراك الداعي لتحطيم وحدة القارة، هل ينجح معتدلوها في الحفاظ على قلعتهم من الانهيار، أم أن الأمور ستفلت من عقالها، بسيطرة اليمين على مفاصل الدول لصالح القومية التي بالتأكيد ستجلب معها المشاعر العدائية؟! aliqabajah@gmail.com