«فتح» و«حماس».. معادلة جديدة للانقسام

13-01-2019
علي جرادات

خطوات التصعيد، وحملات الاعتقال، ووصلات الردح، وسرديات التخوين الدائرة، منذ أسابيع، بين حركتي «فتح» و«حماس»، ليست كسابقاتها، حتى وإن كانت امتداداً لها طيلة 11 عاماً، هي عمر انقسامهما العبثي المدمِّر، وتعبيراً عن عدم توافر إرادة سياسية جدية لدى قيادتي الحركتين لتنفيذ التفاهمات والاتفاقات الوطنية، وما أكثرها، لتحقيق «المصالحة واستعادة الوحدة». تتميز الخطوات الجارية عن سابقاتها بنقل صراع الحركتين من معادلة التلاعب والتسويف والمماطلة والمراوغة في تنفيذ «اتفاقات المصالحة الوطنية» إلى معادلة صفرية، عمادها «إما أنا وإما أنت». وإذا كانت المعادلة الأولى قد وضعت آمال «إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة» في خبر كان، فإن المعادلة الثانية قد جعلت هذه الآمال في عداد فعلٍ ماضٍ ناقص. لذلك فلنقل: دع عنك لجوء الحركتين إلى تغطية خطواتهما السياسية المتبادلة بذرائع دستورية وقانونية، وكأنَّ لجوءهما، عام 2007، إلى الاقتتال والاحتراب الداخلي، أبقى أيَّ معنى لهذا الجدل القانوني الذي لن تكف الحركتان عنه، حتى لو جئنا بمالك الذي لا يُفتى وهو في المدينة.
لقد بدأ هذا التصعيد غير المسبوق، بخطوة حل «المجلس التشريعي» التي اتخذتها قيادة «فتح» ومنظمة التحرير، لا في إطار إلغاء التعاقد السياسي لاتفاق أوسلو والتخلص من التزاماته الأمنية والاقتصادية، ولو في حدود تنفيذ قرارات المجلسين «الوطني» و«المركزي» المتعلقة بهذا الشأن، بل في إطار الصراع مع «حماس»، ولتجريدها من شرعية هذا المجلس المنتهية ولايته أصلاً، أما الغطاء لهذه الخطوة السياسية فقرار «المحكمة الدستورية» بحله، وإجراء انتخابات له في غضون ستة أشهر، وكأنَّ إجراءها في متناول اليد، فيما تعترضه عقبات ترتقي لمستوى الموانع، اتصالاً بأن أغلب فصائل المنظمة ستقاطعها، وبأن «حماس» لن تسمح بإجرائها في قطاع غزة، وبأن حكومة الاحتلال القائمة لن تسمح بمشاركة المقدسيين فيها، علماً أن حكوماته السابقة حاولت منعهم، ووضعت شروطاً خاصة لمشاركتهم في انتخابات عامي 96 و 2006، وذلك حتى قبل صدور القرار الأمريكي بشأن القدس.
وقد جاءت خطوة سحب أفراد أجهزة أمن حكومة «الوفاق الوطني» من معبر رفح، عدا التهديد بسحبهم من معبري «كرم أبو سالم» و«بيت حانون»، وبإضافة عقوبات مالية إضافية على سلطة «حماس»، لتؤكد أن قرار حل «التشريعي» ليس إلا خطوة أولى على طريق إعلان قطاع غزة إقليمياً متمرداً، الأمر الذي يشكل وصفة مضمونة لتحويل الانقسام القائم بين الضفة والقطاع إلى انفصال دائم.
بالمقابل، اعتبرت «حماس» أن قرار حل «التشريعي» خطوة غير دستورية، وكأنَّ هذا كل ما في الأمر، أو كأنَّ سيطرتها على القطاع بوسائل عسكرية، عام 2007، كانت دستورية. هذا يعني أن «حماس» تجنبت، لأسباب تتعلق بتشبثها بالسلطة، الرد بخطاب سياسي وطني يطالب بإنهاء تعاقد أوسلو السياسي والتخلص من التزاماته كافة.
بل، وردت بخطاب فئوي توتيري تخويني، حين اتهمت الرئيس أبو مازن بالتساوق مع الاحتلال والإدارة الأمريكية لتمرير «صفقة القرن» التصفوية، بينما قررت كتلتها في «المجلس التشريعي» نزْع الشرعية عنه، واعتباره فاقداً ل«الأهلية السياسية والقانونية» كرئيس للشعب الفلسطيني، فضلاً عن إصدار مذكرة اعتقال بحق قضاة «المحكمة الدستورية».
على ما تقدم، يثور السؤال القديم الجديد: ما السبيل لطي الصفحة السوداء لهذا الانقسام المدمر الذي أفرزه التعاقد السياسي لأوسلو، في إطار ما أفرزه من ديناميكية جهنمية ما انفكت تفتك، منذ سنوات طويلة، بوحدة الشعب والمجتمع والنضال الفلسطيني؟
أثناء زيارته للقاهرة، في الأسبوع الماضي، وفي معرض تأكيده على رفض «صفقة القرن»، قال الرئيس الفلسطيني: «لن نستسلم حتى لو اضطررنا إلى إلغاء اتفاق أوسلو»، وكأنه لم يحن بعد أوان الاضطرار لإلغاء هذا الاتفاق، فيما يعلم الجميع أن إلغاءه هو المدخل الصحيح لإعادة الاعتبار ل«المنظمة»، واستعادة خيار الوحدة والمقاومة في إطارها، كممثل شرعي وحيد للفلسطينيين، كشعب يعيش في مرحلة تحرر وطني وديمقراطي، وذلك بدءاً بعقد مجلس وطني توحيدي يشارك فيه الجميع، أما من لا يريد المشاركة، فهذا شأنه، وليتحمل مسؤولية قراره. بل ويعلم الجميع، أيضاً، أن حكومات الاحتلال تخشى إلغاء أوسلو خشيتها للطاعون، وأنه كان على قيادة «المنظمة» ألا تبرمه، وفي أدناه أن تنهيه كتعاقد والتزامات عندما انتهى عمره الزمني في مايو/أيار 1999.

ali-jaradat@hotmail.com