الثقافة الوقائية

12-01-2019

ابن الديرة

من الأهمية بمكان أن تتوحد الجهود، وتحشد كل الإمكانيات، في سبيل نشر الثقافة الوقائية بين أفراد المجتمع، على اختلاف أعمارهم والفوارق القائمة بينهم فكرياً وثقافياً وعلمياً واجتماعياً، وقديماً سبقونا وقالوا »درهم وقاية خير من قنطار علاج«، فصحيح أنه يمكن التصدي للمشكلات والعوائق وغيرها، ولكن التكلفة تكون عادة عالية، على العكس تماماً من القضاء على الأمر في مهده، قبل أن ينتشر ويستفحل، فالنتائج هنا تكون إيجابية وكبيرة، رغم أنها أحياناً لا تخضع للقياس الحسابي المباشر.

ونشر الثقافة الوقائية في المجتمع يحتاج إلى جهد واع ومنظم ومستمر، ولا بد أن يكون شاملاً للجميع، لا بد أن تكون للحكومة اليد الطولى فيه، بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني المختلفة، كل منها في مجال عملها ونطاقها الجغرافي، لتكون الفائدة أكثر شمولاً وعمومية.

والوعي الوقائي يطال كل صغيرة وكبيرة في حياتنا، وليس مقصوراً على نواح بعينها دون غيرها، كما أنه لا يتحقق بالطرق التقليدية للتوعية، كأن نسرد على مسامع المتلقين ما نريد التوعية الوقائية به، فالمعلومة سرعان ما تتبخر في أقرب فرصة، تماماً كما يحدث مع الحفظ التلقيني في المدارس، تكون نتائجه سلبية ولا يدوم، فالتركيز يجب أن ينصب على تكرار الحدث وممارسته باستمرار حتى يصبح سلوكاً معتاداً، أصيلاً لدى الفرد، دائماً وليس مؤقتاً.

الثقافة الوقائية للسائقين تؤكد لهم ضرورة القيادة القانونية السليمة للمركبة في كل الأحوال، للحفاظ على أرواح الآخرين والسائقين أنفسهم، فالالتزام بالسرعة القانونية، والانتباه على الطريق، وعدم الانشغال بغير القيادة، وترك مسافة كافية بين السيارة التي تسبقك وسيارتك، والالتزام بالإشارات المرورية، واحترام المشاة، كلها عوامل تقينا شرور الحوادث ومستتبعاتها، وتعزز ثقافتنا الوقائية على طريق تحقيق الهدف المنشود وهو الوصول إلى مجتمع بلا حوادث مرورية، وهذا هدف وطني استراتيجي يجب أن يسعى الجميع لتجسيده.

علاج معظم الأمراض يكلف أموالاً طائلة، فهو ليس دواء فقط، لكنه منظومة متكاملة الخدمات يقف على رأسها الطبيب المعالج وطاقمه الفني والتمريضي والإداري، وتتطلب تجهيزات لا حصر لها، وكل ذلك بالإمكان التقليل منه والوصول به إلى أدنى درجات الإنفاق، لو كانت ثقافتنا الوقائية عالية، وتجنبنا كل ما يمكن أن يضعنا فريسة للأمراض الخطيرة والأقل خطورة، وكان سلوكنا صحياً، سليماً، فممارس الرياضة والمشي، ومتبع العادات الغذائية الصحيحة لن يشكو من السمنة وأمراضها، على سبيل المثال لا الحصر.

التسامح مع الآخرين لا يجوز أن نمارسه خوفاً من القانون والعقاب، ولكن يجب أن يكون جزءاً من معتقداتنا وإرثنا وتراثنا، نراه في قدوتنا في كل مكان، سلوك يتحول إلى ثقافة وقائية من التطرف والعنف وازدراء الغير وكلها لا مبرر لها على الإطلاق، ولا فائدة مرجوة منها.

لنحرص على نشر ثقافة الوقاية ففيها الخير لحاضرنا ومستقبلنا بإذن الله.

ebnaldeera@gmail.com