أحمد البحر - الذين يقولون ما لا يفعلون!

13-10-2016




(1)
كان يُطلق عليه تندرًا منافس “بيغ بن” الساعة الشهيرة بدقتها وتاريخها العريق في لندن.
عرفناه لمدة طويلة وطويلة جدا وعملنا معه في لجان وفرق عمل مختلفة إضافة إلى زمالة في أكثر من مجلس إدارة، هذا الشخص لم تتغير نظرته ولا مبادئه، إن كانت هناك مبادئ فعلا تجاه أهمية الوقت واحترام المواعيد خلال تلك الفترة.
هو هكذا دائما لا يقيم للوقت وللالتزام بالمواعيد وزنًا، فهو دائم التأخير ولا أذكر خلال فترة عملي معه أن حضر اجتماعًا واحدًا في وقته المحدد. هذه حقيقة ودون أي مبالغة وكأنه كان يعتبر النصف ساعة التي يتأخر فيها حقا مكتسبا فيها على أساس أن هذه الممارسة كانت تحدث وبصورة متكررة لفترات طويلة دون أن يتلقى أي تأنيب أو ملاحظة من رؤساء أو أعضاء تلك اللجان أو مجالس الإدارة المعنية.
لهذا اعتبر صاحبنا منافس “بيغ بن” أن هناك مباركة بل موافقة غير معلنة على عدم التزامه بمواعيد تلك المهام فأصبحت هذه السلوكيات جزءا من مكونات شخصية هذا الإنسان وثقافته التي كان يبدو صعبا التخلص منها. في إحدى المرات كان مجلس الإدارة على موعد مع أحد الرؤساء التنفيذيين لمؤسسة معروفة وحضر جميع الأعضاء في الموعد المقرر ما عدا صاحبنا “بيغ بن” الذي وصل كعادته متأخرًا، الأمر الذي جعل المسؤول يعلق قائلا: عفوًا لم أستطع معاقبة زملائك على حضورهم في الوقت المحدد بجعلهم ينتظرون وصولك، لذا فقد بدأنا الاجتماع في وقته المحدد فالجميع مرتبط بأعماله الأخرى.
كان درسًا قاسيًا له، الغريب في الأمر سيدي القارئ أن هذا الشخص كان ولا يزال يقوم بتدريس مادة “إدارة الوقت”، والآن كيف يتم التعامل مع مثل هذه المواقف في واقع العمل؟ لنرَ هذا الموقف.

 (2)
استمعتُ إلى محاضرتك بالأمس حول أهمية قياس مردود الاستثمار في التدريب، حيث تحدثتَ عن أهمية ترجمة ما نكتسبه من مهارات ومعارف إلى فعل، ولكنك أنت أول من لا يطبق ما قلته!
تابع الرئيس التنفيذي حديثه مخاطبًا أحد مديريه قائلا: هل يمكن أن تخبرنا وبلغة الأرقام والحقائق كم مرة قمتَ أنت بترجمة ما اكتسبته وتعلمته في الدورات التدريبية العديدة التي حضرتها على نفقة المؤسسة؟ لم نرَ أي تغيير في أسلوبك في التعامل مع مرؤوسيك. لم نلحظ أي تطوير في أدائك! أنت في الحقيقة تتخذ من التدريب سياحةً مجانية مدفوعة التكاليف من قبل المؤسسة أليس كذلك؟
تابع الرئيس وبهدوئه المعهود “أنت بارع فقط في إلقاء المحاضرات والتحدث عن أمور لم ولن تستطيع نقلها إلى الواقع؛ لأنك وببساطة تفتقر إلى القدرات اللازمة وإلى المصداقية! فأنت تقول ما لا تفعل وهذه حقيقة أليس كذلك؟
لم يستطع المدير الرد لأنه لم يكن يمتلك ما يمكّنه من ذلك.
وواصل الرئيس حديثه: خمس سنوات وأنت في هذا المنصب، كم دورة تدريبية حضرتها؟ كم من المبالغ صرفتها المؤسسة على ذلك؟ ما النتيجة؟ كلام وأقوال بلا أفعال.
قل لي بربك ماذا استفادت المؤسسة من جولاتك ورحلاتك لحضور الفعاليات التدريبية؟ أعطني فقط مبادرة واحدة قمت بها لتطوير العمل أو فكرة واحدة نفذتها وساهمت بها في تطوير الإنتاجية لديك ولدى العاملين تحت إمرتك!
تفضل هذه قائمة بمصاريف رحلاتك وتكاليف رسوم الدورات التي حضرتها خلال الثلاث سنوات الأخيرة، أتمنى أن تقرأها بتعمق لأني في انتظار قرار تتخذه أنت قبل أن يصلك قرار الإدارة.
سيدي القارئ لو كنت محلّ الرئيس، ماذا سيكون قرارك بالنسبة لهذا المدير؟
ولو كنت أنت المدير الذي كان الرئيس يؤنبه بتلك اللهجة ماذا ستكون ردة فعلك؟