بثينة خليفة قاسم - القبر الأبيض المتوسط يستقبل المزيد من التعساء

27-09-2016

زبدة القول

القبر الأبيض المتوسط هو الاسم الذي تم ابتكاره قبل فترة من الزمن لوصف البحر الذي يفصل بين الشمال والجنوب أو الفاصل الخطير بين الفقر والغنى وبين التشرد والضياع وحياة الرفاهية والمال الوفير.
القبر الأبيض المتوسط استقبل قبل أيام قليلة عددا جديدا من التعساء الحالمين بالثراء السريع الهاربين من الفقر، فقد ابتلع عددا كبيرا من الشباب عند مدينة رشيد شمال مصر، جاءوا من دول مختلفة محاولين الوصول إلى شواطئ الأمان!
وكل الذي يقوم به المنظرون العظماء على كل من الشاطئين، شاطئ الفقر والضياع، وشاطئ الوفرة والغنى، هو البحث عن قوانين وإجراءات مشددة لمواجهة الهجرة غير الشرعية، رغم أن العالم شرقه وغربه مسؤول مسؤولية إنسانية وقانونية عن مأساة الجانب الأكبر من هؤلاء الذين يهرعون إلى المراكب المتهالكة سعيا للوصول إلى لقمة خبز!
لم يسأل أحد نفسه لماذا يصر هؤلاء الشباب على ركوب البحر، وهم يعلمون علم اليقين أن القارب الذي سيستخدمونه في رحلتهم انتهت صلاحيته منذ زمن طويل وأن صاحبه يعطيه إياهم على اعتبار أن المال الذي سيأخذه منهم أكثر بكثير من ثمن القارب الذي يعلم أنه سيغرق دون أدنى شك؟
كيف يمكن لأية قوانين مهما كانت قسوتها أن تمنع إنسانا يهرب من الموت إلى الموت؟ فالبقاء في الموطن الأصلي هو اليأس، والسفر بالطريقة التي ذكرناها عملية يضع الشاب نفسه من خلالها بين يدي القدر ،فإما يأخذه القدر إلى الموت الذي لا يختلف عن الموت على أرض الوطن في شيء، وإما أن يأخذه القدر إلى الشاطئ الآخر فيتغير كل شيء ويستطيع أن يأكل ويلبس ويعيش كما يعيش الأغنياء هنا وهناك!
وبكلام آخر، بقاء الشباب على أراضيهم التي ولدوا عليها يمنحهم احتمالا واحدا وهو الموت، ولكن ركوب القارب المتهالك يعطيهم احتمالين، فإما الموت وإما الوصول إلى شواطئ العز والغنى، فكيف لقوانين العالم المتمدن أن تتعامل مع شباب مثل هؤلاء؟
صحيح أن بين هؤلاء من يسعى للثراء السريع، وأن بينهم طماعين كما قال مسؤول عظيم، ولكن أكثرهم بلا لقمة ومنزل!.