الطائع لله أبو بكر

الطائع لله ابو بكر عبدالكريم بن المطيع أمه أم ولد اسمها هزار نزل له أبوه عن الخلافة وعمره ثلاث وأربعون سنة فركب وعليه البردة ومعه الجيش وبين يديه سبكتكين وخلع من الغد على سبكتكين خلع السلطنة وعقد له اللواء ولقبه نصر الدولة ثم وقع بين عز الدولة وسبكتكين فدعا سبكتكين الأتراك لنفسه فأجابوه وجرى بينه وبين عز الدولة حروب وفي ذى الحجة من هذه السنة أي سنة ثلاث وستين وثلثمائة أقيمت الخطبة والدعوة بالحرمين للمعز العبيدى وفي سنة اربع وستين قدم عضد الدولة بغداد لنصرة عز الدولة على سبكتكين فأعجبته بغداد وملكها فعمل عليها واستمال الجند فشغبوا على عز الدولة فأغلق بابه وكتب عضد الدولة عن الطائع إلى الآفاق باستقرار الأمر العضد الدولة فوقع بين الطائع وبين غضد الدولة فقطعت الخطبة للطائع بسبب ذلك ببغداد وغيرها من يوم العشرين من جمادى الأولى إلى أن أعيدت في عاشر رجب وفي هذه السنة وبعدها غلا الرفض وفار بمصر والشام والمشرق والمغرب ونودى بقطع صلاة التراويح من جهة العبيدى وفي سنة خمسة وستين نزل ركن الدولة بن بويه عما بيده من الممالك لأولاده فجعل لعضد الدولة فارس وكرمان ولمؤيد الدولة الرى وأصبهان ولفخر الدولة همذان والدينور وفي رجب منها عمل مجلس الحكم في دار السلطان عز الدولة وجلس قاضى القضاة ابن معروف وحكم لأن عز الدولة التمس ذلك ليشاهد مجلس حكمه كيف هو وفيها كانت وقعة بين عز الدولة وعضد الدولة وأسر فيها غلام تركى لعز الدولة فجن عليه واشتد حزنه وامتنع من الأكل وأخذ في البكاء واحتجب عن الناس وحرم على نفسه الجلوس في الدست وكتب إلى عضد الدولة يسأله أن يرد الغلام إليه ويتذلل فصار ضحكة بين الناس وعوتب فما ارعوى لذلك وبذل في فداء الغلام جاريتين عوديتين كان قد بذل له في الواحدة مائة ألف دينار وقال للرسول إن توقف عليك في رده فزد ما رأيت ولا تفكر فقد رضيت أن آخذه واذهب إلى أقصى الأرض فرده عضد الدولة عليه وفيها أسقط الخطبة من الكوفة لعز الدولة وأقيمت لعضد الدولة وفيها مات المعز لدين الله العبيدى صاحب مصر وأول من ملكها من العبيديين وقام بالأمر بعده ابنه نزاز ولقب العزيز وفي سنة ست وستين مات المنتصر بالله الحكم بن الناصر لدين الله الأموى صاحب الأندلس وقام بعده ابنه المؤيد بالله هشام وفي سنة سبع وستين التقى عز الدولة وعضد الدولة فظفر عضد الدولة وأخذ عز الدولة أسيرا وقتله بعد ذلك وخلع الطائع على عضد الدولة خلع السلطنة وتوجه بتاج مجوهر وطوقه وسوره وقلده سيفا وعقد له لواءين بيده احدهما مفضض على رسم الأمراء والآخر مذهب على رسم ولاة العهود ولم يعقد اللواء الثانى لغيره قبله وكتب له عهدا وقرىء بحضرته ولم يبق أحد إلا تعجب ولم تجر العادة بذلك إنما كان يدفع العهد إلى الولاة بحضرة أمير المؤمنين فإذا أخذه قال أمير المؤمنين هذا مهدى إليك فاعمل به وفي سنة ثمان وستين أمر الطائع بأن تضرب الدبادب على باب عضد الدولة في وقت الصبح والمغرب والعشاء وان يخطب له على منابر الحضرة قال ابن الجوزى وهذان أمران لم يكونا من قبله ولا أطلقا لولاة العهود وقد كان معز الدولة أحب أن تضرب له الدبادب بمدينة السلام فسأل المطيع في ذلك فلم يأذن له وما حظى عضد الدولة بذلك إلا لضعف أمر الخلافة وفي سنة تسع وستين ورد رسول العزيز صاحب مصر إلى بغداد وسأل عضد الدولة الطائع أن يزيد في ألقابه تاج الملة ويجدد الخلع عليه ويلبسه التاج فأجابه وجلس الطائع على السرير وحوله مائة بالسيوف والزينة وبين يديه مصحف عثمان وعلى كتفه البردة وبيده القضيب وهو متقلد بسيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وضربت ستارة بعثها عضد الدولة وسأل أن تكون حجابا للطائع حتى لا يقع عليه عين أحد من الجند قبله ودخل الأتراك والديلم وليس مع أحد منهم حديد ووقف الأشراف واصحاب المراتب من الجانبين ثم اذن لعضد الدولة فدخل ثم رفعت الستارة وقبل عضد الدولة الأرض فارتاع زياد القائد لذلك وقال لعضد الدولة ما هذا أيها الملك أهذا هو الله فالتفت إليه وقال هذا خليفة الله في الأرض ثم استمر يمشى ويقبل الأرض سبع مرات فالتفت الطائع إلى خالص الخادم وقال استدنه فصعد عضد الدولة فقبل الأرض مرتين فقال له ادن إلى فدنا وقبل رجله وثنى الطائع يمينه عليه وامره فجلس على الكرسي بعد أن كرر عليه اجلس وهو يستعفى فقال له أقسمت عليك لتجلسن فقبل الكرسي وجلس فقال له الطائع قد رأيت أن أفوض إليك ما وكل الله إلى من أمور الرعية في شرق الأرض وغربها وتدبيرها في جميع جهاتها سوى خاصتى واسبابى فتول ذلك فقال يعيننى الله على طاعة مولانا أمير المؤمنين وخدمته ثم افاض عليه الخلع وانصرف قلت انظر إلى هذا الأمر وهو الخليفة المستضعف الذي لم تضعف الخلافة في زمن احد ما ضعفت في زمنه ولا قوى أمر سلطان ما قوى أمر عضد الدولة وقد صار الأمر في زماننا إلى ان الخليفة يأتى السلطان يهنئه برأس الشهر فأكثر ما يقع من السلطان في حقه أن ينزل عن مرتبته ويجلسا معا خارج المرتبة ثم يقوم الخليفة يذهب كأحد الناس ويجلس السلطان في دست مملكته ولقد حدثت ان السلطان الأشرف برسباى لما سافر إلى آمد لقتال العدو وصحب الخليفة معه كان الخليفة راكبا أمامه يحجبه والهيبة والعظمة للسلطان والخليفة كآحاد الأمراء الذين في خدمة السلطان وفي سنة سبعين خرج من همذان عضد الدولة وقدم بغداد فلتقاه الطائع ولم تجر عادة بخروج الخلفاء لتلقى أحد فلما توفيت بنت معز الدولة ركب المطيع إليه فغزاه فقبل الارض وجاء رسول عضد الدولة عضد الدولة فولى الطائع مكانه في السلطنة ابنه صمصام الدولة ولقبه شمس الملة وخلع عليه سبع خلع وتوجه وعقد له لواءين ثم في سنة ثلاث وسبعين يطلب من الطائع أن يتلقاه فما وسعه التأخر وفي سنة اثنتين وسبعين مات مات مؤيد الدولة أخو عضد الدولة وفي سنة خمس وسبعين هم صمصام الدولة أن يجعل المكس على ثياب الحرير والقطن مما ينسج ببغداد ونواحيها ووقع له في ضمان ذلك الف ألف درهم في السنة فاجتمع الناس في جامع المنصور وعزموا على المنع من صلاة الجمعة وكاد البلد يفتن فأعفاهم من ضمان ذلك وفي سنة ست وسبعين قصد شرف الدولة اخاه صمصام الدولة فانتصر عليه وكحله ومال العسكر إلى شرف الدولة وقدم بغداد وركب الطائع إليه يهنئه بالبلاد وعهد إليه بالسلطنة وتوجه وقرىء عهده والطائع يسمع وفي سنة ثمان وسبعين امر شرف الدولة برصد الكواكب السبعة في سيرها كما فعل المأمون وفيها اشتد الغلاء ببغداد جدا وظهر الموت بها ولحق الناس بالبصرة حر وسموم تساقط منه وجاءت ريح عظيمة بفح الصلح حرقت دجلة حتى ذكر أنه بانت أرضها وأغرقت كثيرا من السفن واحتملت زورقا منحدرا وفيه دواب فطرحت ذلك في أرض جوخى فشوهد بعد ايام وفي سنة تسع وسبعين مات شرف الدولة وعهد إلى أخيه أبى نصر فجاءه الطائع إلى دار المملكة يعزيه فقبل الأرض غير مرة ثم ركب أبو نصر إلى الطائع وحضر الأعيان فخلع الطائع على أبى نصر سبع خلع أعلاها سوداء وعمامة سوداء وفي عنقه طوق كبير وفي يده سواران ومشى الحجاب بين يديه بالسيوف ثم قبل الأرض بين يدى الطائع وجلس على كرسى وقرىء عهده ولقبه الطائع بهاء الدولة وضياء الملة وفي سنة إحدى وثمانين قبض على الطائع وسببه أنه حبس رجلا من خواص بهاء الدولة فجاء بهاء الدولة وقد جلس الطائع في الرواق متقلدا سيفا فلما قرب بهاء الدولة قبل الأرض وجلس على الكرسي وتقدم اصحاب بهاء الدولة فجذبوا الطائع من سريره وتكاثر الديلم فلفوه في كساء واصعد إلى دار السلطنة وارتج البلد ورجع بهاء الدولة وكتب على الطائع أيمانا بخلع نفسه وأنه سلم الأمر إلى القادر بالله وشهد عليه الأكابر والأشراف وذلك في تاسع عشر شهر شعبان ونفذ إلى القادر بالله ليحضر وهو بالبطيحة واستمر الطائع في دار القادر بالله مكرما محترما في أحسن حال حتى إنه حمل إليه ليلة شمعة قد أوقد نصفها فأنكر ذلك فحملوا إليه غيرها إلى أن مات ليلة عيد الفطر سنة ثلاث وتسعين وصلى عليه القادر بالله في داره وشيعه الأكابر والخدم ورثاه الشريف الرضى بقصيدة وكان شديد الانحراف على آل أبي طالب وسقطت الهيبة في ايامه جدا حتى هجاه الشعراء مات في ايام الطائع من الأعلام ابن السنى الحافظ وابن عدى والقفال الكبير والسيرافى النحوى وأبو سهل الصعلوكى وابو بكر الرازى الحنفى وابن خالوية والأزهرى إمام اللغة وأبو إبراهيم الفارابى صاحب ديوان الأدب والرفاء الشاعر وأبو زيد المروزى الشافعى والداركى وأبو بكر الأبهري شيخ المالكية وأبو الليث السمرقندى إمام الحنفية وأبو على الفارسى النحوى وابن الجلاب المالكى