المعتمد على الله أبو العباس

المعتمد على الله أبو العباس وقيل أبو جعفر احمد بن المتوكل بن المعتصم ابن الرشيد ولد سنة تسع وعشرين ومائتين وامه رومية اسمها فتيان ولما قتل المهتدى كان المعتمد محبوسا بالجوسق فأخرجوه وبايعوه ثم انه استعمل أخاه الموفق طلحة على المشرق وصيرابنه جعفرا ولي عهده وولاه مصر والمغرب ولقبه المفوض إلى الله وانهمك المعتمد في اللهو واللذات واشتغل عن الرعية فكرهه الناس وأحبوا اخاه طلحة وفي ايامه دخلت الزنج البصرة وأعمالها واخربوها وبذلوا السيف واحرقوا وخربوا وسبوا وجرى بينهم وبين عسكره عدة وقعات وامير عسكره في أكثرها الموفق أخوه واعقب ذلك الوباء الذى لا يكاد يتخلف عن الملاحم بالعراق فمات خلق لا يحصون ثم اعقبه هدات وزلازل فمات تحت الردم ألوف من الناس واستمر القتال مع الزنج من حين تولى المعتمد سنة ست وخمسين إلى سنة سبعين فقتل فيها رأس الزنج لعنه الله وأسمه بهبوذ وكان ادعى انه أرسل إلى الخلق فرد الرسالة وانه مطلع على المغيبات وذكر الصولي أنه قتل من المسلمين ألف ألف وخمسمائة ألف آدمي وقتل في يوم واحد بالبصرة ثلثمائة ألف وكان له منبر في مدينة يصعد عليه ويسب عثمان وعليا ومعاوية وطلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم وكان ينادي على المرأة العلوية في عسكره بدرهمين وثلاثة وكان عند الواحد من الزنج العشر من العلويات يطؤهن ويستخدمهن ولما قتل هذا الخبيث دخل برأسه بغداد على رمح وعملت قباب الزينة وضج الناس بالدعاء للموفق ومدحه الشعراء وكان يوما مشهودا وأمن الناس وتراجعوا إلى المدن التي اخذها وهي كثيرة كواسط ورامهرمز وفي سنة ستين من أيامه وقع غلاء مفرط بالحجاز والعراق وبلغ كرالحنطة في بغداد مائة وخمسين دينارا وفيها اخذت الروم بلد لؤلؤة وفي سنة إحدى وستين بايع المعتمد بولاية العهد بعده لابنه المفوض إلى الله جعفر ثم من بعده لأخيه الموفق طلحة وولى ولده المغرب والشام والجزيرة وأرمينية وولي أخاه المشرق والعراق وبغداد والحجاز واليمن وفارس وأصبهان والري وخراسان وطبرستان وسجستان والسند وعقد لكل منهما لواءين أبيض وأسود وشرط إن حدث به حدث أن الأمر لأخيه إن لم يكن ابنه جعفر قد بلغ وكتب العهد وأنفذه مع قاضي القضاه ابن أبي الشوارب ليعلقه في الكعبة وفي سنة ست وستين وصلت عساكر الروم إلى ديار بكر ففتكوا وهرب أهل الجزيرة والموصل وفيها وثب الأعراب على كسوة الكعبة فانتهبوها وفي سنة سبع وستين استولى أحمد بن عبدالله الحجابي على خراسان وكرمان وسجستان وعزم على قصد العراق وضرب السكة باسمه وعلى الوجه الآخر اسم المعتمد وهذا محل الغرابة ثم إنه في آخر السنة قتله غلمانه فكفى الله شره وفي سنة تسع وستين اشتد تخيل المعتمد من أخيه الموفق فإنه كان خرج عليه في سنة اربع وستين ثم اصطلحا فلما اشتد تخيله منه هذا العام كاتب المعتمد ابن طولون نائبه بمصر واتفقا على أمر فخرج ابن طولون حتى قدم دمشق وخرج المعتمد من سامرا على وجهه التنزه وقصده دمشق فلما بلغ ذلك الموفق كتب إلى إسحاق بن كنداج ليرده فركب ابن كنداج من نصيبين إلى المعتمد فلقيه بين الموصل والحديثة فقال يا أمير المؤمنين أخوك في وجه العدو وأنت تخرج عن مستقرك ودار ملكك ومتى صح هذا عنده رجع عن مقاومة الخارجى فيغلب عدوك على ديار آبائك وفي كلمات أخر ثم وكل بالمعتمد جماعة ورسم على طائفة من خواصه ثم بعث إلى المعتمد يقول ما هذا بمقام فارجع فقال المعتمد فاحلف لى أنك تنحدر معى ولا تسلمنى فحلف له وانحدر من سامرا فتلقاه صاعد بن مخلد كاتب الموفق فسلمه إسحاق إليه فأنزله في دار احمد بن الخصيب ومنعه من نزول دار الخلافة ووكل به خمسمائة رجل يمنعون من الدخول إليه ولما بلغ الموفق ذلك بعث إلى اسحاق بخلع وأموال وأقطعه ضياع القواد الذين كانوا مع المعتمد ولقبه ذا السندين ولقب صاعدا ذا الوزارتين وأقام صاعد في خدمة المعتمد ولكن ليس للمعتمد حل ولا ربط وقال المعتمد في ذلك أليس من العجائب ان مثلى يرى ما قل ممتنعا عليه وتؤخذ باسمه الدنيا جميعاوما من ذاك شىء في يديه إليه تحمل الأموال طراويمنع بعض ما يجبى إليه وهو أول خليفة قهر وحجر عليه ووكل به ثم أدخل المعتمد واسط ولما بلغ ابن طولون ذلك جمع الفقهاء والقضاة والأعيان وقال قد نكث الموفق بأمير المؤمنين فاخلعوه من العهد فخلعوه إلا القاضى بكار بن قتيبة قإنه قال أنت أوردت على المعتمد كتابا بولايته العهد فأورد على كتابا آخر منه بخلعه فقال إنه محجور عليه ومقهور فقال لا أدري فقال ابن طولون غرك الناس بقولهم ما في الدنيا مثل بكار أنت شيخ قد خرفت وحبسه وقيده واخذ منه جميع عطاياه من سنين فكانت عشرة آلاف دينار فقيل إنها وجدت في بيت بكار يختمها وبلغ الموفق ذلك فأمر بلعن ابن طولون على المنابر ثم في شعبان من سنة سبعين أعيد المعتمد إلى سامرا ودخل بغداد ومحمد بن طاهر بين يديه بالحربة والجيش في خدمته كأنه لم يحجر عليه ومات ابن طولون في هذه السنة فولى الموفق ابنه أبا العباس أعماله وجهزه إلى مصر في جنود العراق وكان خمارويه بن أحمد بن طولون أقام على ولايات أبيه بعده فوقع بينه وبين أبي العباس ابن الموفق وقعه عظيمة بحيث جرت الأرض من الدماء وكان النصر للمصريين وفي هذه السنة انبثق ببغداد في نهر عيسى بثق فجاء الماء إلى الكرخ فهدم سبعة آلاف دار وفيها نازلت الروم طرسوس في مائة ألف فكانت النصرة للمسلمين وغنموا مالايحصى وكان فتحا عظيما عديم المثل وفيها ظهرت دعوة المهدي عبيد الله بن عبيد جد بني عبيد خلفاء المصريين الروافض في اليمن وأقام على ذلك إلى سنة ثمان وسبعين فحج تلك السنة واجتمع بقبيلة من كتامة فأعجبهم حاله فصحبهم إلى مصر ورأى منهم طاعة وقوة فصحهم إلى المغرب فكان ذلك أول شأن المهدي وفي سنة إحدى وسبعين قال الصولي ولي هارون بن إبراهيم الهاشمي الحسبة فأمر أهل بغداد أن يتعاملوا بالفلوس فتعاملوا بها على كره ثم تركوها وفي سنة ثمان وسبعين غارنيل مصر فلم يبق منه شء وغلت الأسعار وفيها مات الموفق واستراح منه المعتمد وفيها ظهرت القرامطة بالكوفة وهم نوع من الملاحدة يدعون أنه لاغسل من الجنابة وأن الخمر حلال ويزيدون في آذانهم وأن محمد بن الحنفية رسول الله وأن الصوم في السنة يومان يوم النيروز ويوم المهرجان وأن الحج والقبلة إلى بيت المقدس وأشياء أخرى ونفق قولهم على الجهال واهل البر وتعب الناس بهم وفي سنة تسع وسبعين ضعف أمر المعتمد جدا لتمكن أبي العباس بن الموفق من الأمور وطاعة الجيس له فجلس المعتمد مجلسا عاما وأشهد فيه على نفسه أنه خلع ولده المفوض من ولاية العهد وبايع لأبي العباس ولقبه المعتضد وأمر المعتضد في هذه السنة أن لايقعد في الطريق منجم ولاقصاص واستحلف الوراقين أن لايبيعوا كتب الفلاسفة والجدل ومات المعتمد بعد أشهر من هذه السنة فجأه فقيل إنه سم وقيل بل نام فغم في بساط وذلك ليلة الاثنين لإحدى عشرة بقيت من رجب وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة إلا أنه كان مقهورا مع أخيه الموفق لاستيلائه على الأمور ومات وهو المحجور عليه من بعض الوجوه من جهة المعتضد أيضا وممن مات في ايامه من الأعلام البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والربيع الجيزي ولربيع المرادي والمزني ويونس بن عبدالأعلى والزبير بن بكار وأبو الفضل الرياشي ومحمد بن يحيى الذهلي وحجاج بن يوسف الشاعر والعجلي الحافظ وقاضي القضاة ابن أبي الشوارب والسوسي المقريء وعمر بن شبة وأبو زرعة الزازي ومحمد بن عبدالله بن عبدالحكم والقاضي بكار وداود الظاهري وابن دارة وبقي بن مخلد وابن قتيبة وأبو حاتم الرازي وآخرون ومن قول عبدالله بن المعتز في المعتمد يمدحه ياخير من تزجى المطى له ويمر حبل العهد موثقه أضحى عنان الملك مقتسرا بيديك تحبسه وتطلقه فاحكم لك الدنيا وساكنها ماطاش سهم أنت موفقه ومن شعر المعتمد لما حجر عليه اصبحت لا أملك دفعا لما أسام من خسف ومن ذلة تمضي أمور الناس دوني ولا يشعرني في ذكرها قلتي إذا اشتهيت الشيء ولو ابه عني وقالوا ههنا علتي وقال الصولي كان له وراق يكتب شعره بماء الذهب ورثاه أبو سعيد الحسن بن سعيد النيسابوري بقوله لقد قر طرف الزمان النكد وكان سخينا كليلا رمد وبلغت الحادثات المنى بموت إمام الهدى المعتمد ولم يبق لي حذر بعده فدون المصائب فلتجتهد