المهتدى بالله المهتدى بالله

الخليفة الصالح محمد أبو إسحاق وقيل أبو عبدالله بن الواثق ابن المعتصم بن الرشيد وامه ام ولد تسمى وردة ولد في خلافة جده سنة بضع عشرة ومائتين وبويع بالخلافة لليلة بقيت من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين وما قبل بيعته احد حتى أتى بالمعتز فقام المهتدى له وسلم عليه بالخلافة وجلس بين يديه فجىء بالشهود فشهدوا على المعتز أنه عاجز عن الخلافة فاعترف بذلك ومد يده فبايع المهتدى فارتفع حينئذ المهتدى إلى صدر المجلس وكان المهتدى أسمر رقيقا مليح الوجه ورعا متعبدا عادلا قويا في أمر الله بطلا شجاعا لكنه لم يجد ناصرا ولا معينا قال الخطيب لم يزل صائما منذ ولى إلى أن قتل وقال هاشم بن القاسم كنت بحضرة المهتدى عشية في رمضان فوثبت لأنصرف فقال لى أجلس فجلست وتقدم فصلى بنا ثم دعا بالطعام فأحضر طبق خلاف وعليه رغيف من الخبز النقى وفيه أنية فيه ملح وخل وزيت فدعانى إلى الأكل فابتدأت آكل ظانا انه سيؤتى بطعام فنظر إلى وقال ألم تك صائما قلت بلى قال أفلست عازما على الصوم فقلت كيف لا وهو رمضان فقال كل واستوف فليس هاهنا من الطعام غير ما ترى فعجبت ثم قلت ولم يا أمير المؤمنين وقد أسبغ الله نعمته عليك فقال إن الأمر ما وصفت ولكنى فكرت في أنه كان في بنى أمية عمر بن عبدالعزيز وكان من التقلل والتقشف على ما بلغك فغرت على بنى هاشم فأخذت نفسى بما رأيت وقال جعفر بن عبدالواحد ذاكرت المهتدى بشىء فقلت له كان أحمد ابن حنبل يقول به ولكنه كان يخالف أشير إلى ما مضى من آبائه فقال رحم الله أحمد ابن حنبل والله لو جاز لى أن أتبرا من أبى لتبرأت منه ثم قال لى تكلم بالحق وقل به فإن الرجل ليتكلم بالحق فينبل في عينى وقال نفطويه حدثنى بعض الهاشمين أنه وجد للمهتدى سفط فيه جبة صوف وكساء كان يلبسه بالليل ويصلى فيه وكان قد أطرح الملاهى وحرم الغناء وحسم أصحاب السلطان عن الظلم وكان شديد الإشراف على أمر الدواوين يجلس بنفسه ويجلس الكتاب بين يديه فيعملون الحساب وكان لا يخل بالجلوس الاثنين والخميس وضرب جماعة من الرؤساء ونفى جعفر بن محمود إلى بغداد وكره مكانه لأنه نسب عنده إلى الرفض وقدم موسى بن بغا من الرى يريد سامرا لقتل صالح بن وصيف بدم المعتز واخذ اموال أمه ومعه جيشه فصاحت العامة على ابن وصيف يا فرعون قد جاءك موسى فطلب موسى بن بغا الإذن على المهتدى فلم يأذن له فهجم بمن معه عليه وهو جالس في دار العدل فأقاموه وحملوه على فرس ضعيفة وانتهبوا القصر وادخلوا المهتدى إلى دارنا جود وهو يقول يا موسى اتق الله ويحك ما تريد قال والله ما نريد إلا خيرا فاحلف لنا ان لا تملىء صالح بن وصيف فحلف لهم فبايعوه حينئذ ثم طلبوا صالحا ليناظروه على أفعاله فاختفى وندبهم المهتدى إلى الصالح فاتهموه أنه يدرى مكانه فجرى في ذلك كلام ثم تكلموا في خلعه فخرج إليهم المهتدى من الغد متقلدا بسيفه فقال قد بلغنى شأنكم ولست كمن تقدمنى مثل المستعين والمعتز والله ما خرجت إليكم إلا وأنا متحنط وقد أوصيت وهذا سيفى والله لأضربن به ما استمسكت قائمته بيدى أمادين أما حياء أما دعة لم يكون الخلاف على الخلفاء والجرأة على الله ثم قال ما أعلم علم صالح فرضوا وانفضوا ونادى موسى بن بغا من جاء بصالح فله عشرة آلاف دينار فلم يظفر به أحد واتفق ان بعض الغلمان دخل زقاقا وقت الحر فرأى بابا مفتوحا فدخل فمشى في دهليز مظلم فرأى صالحا نائما فعرفه وليس عنده احد فجاء إلى موسى فأخبره فبعث جماعة فأخذوه وقطعت رأسه وطيف به وتألم المهتدى لذلك في الباطن ثم رحل موسى ومعه بكيال إلى السن في طلب مساور فكتب المهتدى إلى بكيال ان يقتل موسى ومفلحا احد أمراء الأتراك أيضا أو يمسكهما ويكون هو الأمير على الأتراك كلهم فأوقف بكيال موسى على كتابه وقال إنى لست أفرح بهذا وإنما هذا يعمل علينا كلنا فأجمعوا على قتل المهتدى وساروا إليه فقاتل عن المهتدى المغاربة والفراغنة والأسروسنية وقتل من الأتراك في يوم اربعة آلاف ودام القتال إلى أن هزم جيش الخليفة وأمسك هو فمصر على خصيتيه فمات وذلك في رجب سنة ست وخمسين فكانت خلافته سنة إلا خمسة عشر يوما وكان لما قامت الأتراك عليه ثار العوام وكتبوا رقاعا وألقوها في المساجد يا معشر المسلمين ادعوا الله لخليفتكم العدل الرضا المضاهى لعمر بن عبدالعزيز ان ينصره الله على عدوه