هشام بن عبد الملك

هشام بن عبد الملك أبو الوليد ولد سنة نيف وسبعين واستخلف بعهد من أخيه يزيد قال مصعب الزبيري رأىعبد الملك في منامه أنه بال في المحراب أربع مرات فسأل سعيد بن المسيب فقال يملك من ولده لصلبه أربعة فكان آخرهم هشام وكان هشام حازما عاقلا كان لا يدخل بيت ماله مالا حتى يشهد أربعون قسامة لقد أخذ من حقه ولقد أعطى لكل ذي حق حقه وقال الأصمعي أسمع رجل مرة هشاما كلاما فقال له يا هذا ليس لك أن تسمع خليفتك قال وغضب مرة على رجل فقال والله لقد هممت أن أضربك سوطا وقال سحبل بن محمد ما رأيت أحدا من الخلفاء أكره إليه الدماء ولا أشد عليه من هشام وعن هشام أنه قال ما بقي شيء من لذات الدنيا إلا وقد نلته إلا شيئا واحدا أخا أرفع مؤنة التحفظ فيما بيني وبينه وقال الشافعي لما بنى هشام الرصافة بقنسرين أحب أن يخلو يوما لا يأتيه فيه غم فما انتصف النهار حتى أتته ريشة بدم من بعض الثغور فأوصلت إليه فقال ولا يوما واحدا وقيل إن هذا البيت له ولم يحفظ له سواه إذا أنت لم تعص الهوى فادك الهوى إلى بعض ما فيه عليك مقال مات في ربيع الاخر سنة خمس وعشرين ومائة وفي سنة سبع من أيامه فتحت قيصرية الروم بالسيف وفي سنة ثمان فتحت خنجرة على يد البطال الشجاع المشهور وفي سنة أثنتي عشرة فتحت خرشنة في ناحية ملطية وممن مات في أيامه من الأعلام سالم بن عبد الله بن عمر وطاوس وسليمان ابن يسار وعكرمة مولى ابن عباس والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وكثير عزة الشاعر ومحمد بن كعب القرظي والحسن البصري ومحمد بن سيرين وأبو الطفيل عامر بن وائلة الصحابي آخرهم موتا وجرير والفرزدق وعطية العوفي ومعاوية بن قرة ومكحول وعطاء بن أبي رباح وأبو جعفر الباقر ووهب بن منبه وسكينة بنت الحسين والأعرج وقتادة ونافع مولى ابن عمر وابن عامر مقرىء الشام وابن كثير مقرىء مكة وثابت البناني ومالك بن دينار وابن محيصن المقرىء وابن شهاب الزهري وخلائق آخرون ومن أخبار هشام أخرج ابن عساكر عن إبراهيم بن أبي عبلة قال اراد هشام ابن عبد الملك أن يوليني خراج مصر فأبيت فغضب حتى اختلج وجهه وكان في عينيه الحول فنظر إلى نظر منكر وقال لتلين طائعا أو لتلين كارها فأسكت عن الكلام حتى سكن غضبه فقلت يا أمير المؤمنين أتكلم قال نعم قلت إن الله قال في كتابه العزيز إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها الآية فوالله يا أمير المؤمنين ما غضب عليهن إذ أبين ولا أكرههن إذ كرهن وما أنا بحقيق أن تغضب على إذ أبيت وتكرهني إذا كرهت فضحك وأعفاني وأخرج عن خالد بن صفوان قال وفدت على هشام بن عبد الملك فقال هات يا ابن صفوان قلت إن ملكا من الملوك خرج متنزها إلى الخورنق وكان ذا علم مع الكثرة والغلبة فنظر وقال لجلسائه لمن هذا قالوا للملك قال فهل رأيتم أحدا أعطى مثل ما أعطيت وكان عنده رجل من بقايا حملة الحجة فقال إنك قد سألت عن أمر افتأذن لي بالجواب قال نعم قال أرأيت ما أنت فيه أشيء لم تزل فيه أم شيء صار إليك ميراثا وهو زائل عنك إلى غيرك كما صار إليك قال كذا هو قال فتعجب بشيء يسير لاتكون فيه إلا قليلا وتنقل عنه طويلا فيكون عليك حسابا قال ويحك فأين المهرب وأين المطلب وأخذته قشعريرة قال إما أن تقيم في ملكك فتعمل بطاعة الله بماساءك وسرك وإما أن تنخلع من ملكك وتضع تاجك وتلقى عنك أطمارك وتعبد ربك قال إني مفكر الليل وأوافيك السحر فلما كان السحر قرع عليه بابه فقال إني أخترت هذا الجبل وفلوات الأرض وقد لبست على أمساحي فإن كنت لي رفيقا لا تخالف فلزما الجبل حتىماتا وفيه يقول عدي بن زيد العبادي أيها الشامت المعير بالدهر أأنت المبرأ الموفور أم لديك العهد الوثيق من الأيام بل أنت جاهل ومغرور من رأيت المنون خلدن أم من ذا عليه من أن يضام خفير أين كسرى كسرى الملوك أبوساسان أم أين قبله سابور وبنو الأصفر الكرام ملوك الروم لم يبق منهم مذكور وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة تجبي إليه والخابور شاده مرمرا وجلله كلسا فللطير في ذراه وكور لم يهبه ريب المنون فباد الملك عنه فبابه مهجور وتذكر رب الخورنق إذ أشرف يوما وللهدي تذكير سره ماله وكثرة مايملك والبحر معرض والدير فارعوي قلبه وقال وما غبطة حي إلى الممات يصير ثم بعد الفلاح والملك والأمة وارتهم هناك القبور ثم صاروا كأنهم ورق جف فألوت به الصبا والدبور قال فبكى هشام حتى اخضلت لحيته وأمر بابنتيه وطى فرشه ولزم قصره فأقبلت الموالي والحشم على خالد بن صفوان وقالوا ما أردت إلى أمير المؤمنين أفسدت عليه لذته فقال إليكم عني فإني عاهدت الله أن لا أخلو بملك إلا ذكرته الله تعالى