الباب الحادي والخمسون : العطش والشرب والري والجوع والأكل وأكل الإنسان لحم نفسه أو لحم جنسه ومضغ العلك والطبخ بالنار

أما العطش فهو في التأويل خلل في الدين فمن رأى أنّه عطشان وأراد أن يشرب من نهر فلم يشرِب فإنّه يخرج من حزن لقوله تعالى في قصة طالوت {إنَّ الله مُبْتَلِيكُمْ بِنَهْرٍ فمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطعمه فإنّهُ مِنِّي} قال بعضهم من أراد أن يشرب فلم يشرب لم يظفر بحاجته
ومن شرب الماء البارد أصاب مالاً حلالاً وإذا رأى أنّه ريان من الماء دل على صحة دينه واستقامته وصلاح حاله فيه
(وأما الجوع) فإنّه ذهاب مال وحرص في طلب معاش والشبع تحصيل المعاش وعود المال والأكل يخلف في أحوال وقال بعضهمِ الجوع خير من الشبع والري خير من العطش وقيل من رأى أنّه جائع أصاب خيراً ويكون حريصاً
-ومن
رأى
أنه
غيره دعاه إلى الغذاء دلت رؤياه على سفر غير بعيد لقوله تعالى {لَقَدْ لَقينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبَا} فإن دعاه إلى الأكل نصف النهار فإنه يستريح من تعب فإن دعاه إلى العشاء فإنّه يخدع رجلاً ويمكر به قبل أن يخدعه هو
-ومن رأى أنّه أكل طعاماً وانهضم فإنه يحرس على السعي في حرفته
-ومن رأى أنه أكل لحم نفسه فإنه يأكل من مدخور ماله ومكنوزِه فإن أكل لحم غيره فإن أكله نيئا فإنه يغتابه أو أحد أقربائه وإن أكله مطبوخاً أو مشوياً فإنّه يأكل رأس مال غيره فإن رأى كأنّه يعض لحم نفسه ويقطعه ويطرحه إلى الأرض فإنه رجل غماز وأكل المرأة لحم المرأة مساحقة أو مغالبة وأكل لحم نفسها دليل على أنّها تزني وتأكل من كد فرجها وأكل لحم الرجل في التأويل مثل أكل
المرأة وكذلك أكل لحم الشاب أقوى في التأويل من أكل لحم الشيخ فإن رأى أنه يأكل لحم لسان نفسه أصاب منفعة من قبل لسانه وربما دلت هذه الرؤيا على تعود صاحبها السكوت وكظم الغيظ والمداراة
(وأما مضغ العلك) فمن رأى أنه يمضغه فغنه ينال مالاً في منازعة وقيل إنّ مضغ العلك إتيان فاحشة لأنّه من عمل قوم لوط وأما من رأى أنه يطبخ بالنار شيئاً ونضج فإنه يصيب مراده في مال فإنّ لم ينضج لم ينل مراده ولو رأى أنّه يأكل اللبان فإنَّ اللبان بمنزلة بعض الادوية ولو رأى أنّه يمضغ اللبان والعلك فإنه يصير إلى أمر يكثر فيه الكلام وترداده مثل منازعة أو شكوى أو ما يشبه ذلك وكل ما يمضغ من غير أكل فإنّه يزداد الكلام بقدر ذلك المضغ وكذلك قصب السكر إلا أنّه كلام يستحلى ترداده فإن رأى أنه يأكل من رؤوس الناس أو يطعمها غيره أو ينال منها شعراً أو عظاماً فإنّه يصيب مالاً من رؤساء الناس وعظمائهم فإن أكل من أدمغتهم فإنه يصيب من ذخائر أموالهم وكذلك رؤوس البهائم والسباع إلا أنّها دون رؤوس الناس في الشرف فإن رأى رؤوس الناس مقطوعة في بلدة أو محلة أو في بيت أو على باب دار فإن رؤوس الناس يأتون
ذلك الموضع ويجتمعون فيه وقيل من رأى أنه يأكل لحم نفسه أصاب مالا يؤكل وسلطاناً عظيماً فإن رأى أنه يأكل لحم مصلوب أو أبرص أو لحم مجذوم فإنّه يصيب مالاً عظيماً حراماً فإن رأى أنه عانق رجلاً ميتاً أو حياً فإنّه تطول حياته وكذلك المصافحة
-ومن رأى أنه يأكل من لحم نفسه أو لحم غيره وكان لما يأكل أثر ظاهر أكل من ماله أو من غيره فإن لم يكن له أثر اغتاب إنساناً من أهل بيته أو غيرهم ومن أكل لحم المصلوب أكل مالاً حراماً من رجل رفيع القدر إذا كان لما يأكل إثر.