تجربة من ألمانيا مع بداية العام الدراسي : دورة مهارات للحياة

Submitted by سيبوه on اثنين, 11/01/2010 - 09:33

تجربة من ألمانيا مع بداية العام الدراسي : دورة مهارات للحياة

بقلم :   أندريا نيترشايدت   2010-10-12 4 /11 /1431

 

(منقول من موقع المعرفة)

 

كانت صدمة لي ولابنتي-  البالغة من العمر 12 عامًا- أن تستلم في اليوم الأول من الدراسة رسالة موجهة لأولياء الأمور، تطالبهم بتحويل مبلغ 80 يورو خلال يومين، رسوم المشاركة في دورة (مهارات للحياة)، والتي تتطلب سفر ابنتي مع زميلاتها وزملائها من الصف إلى خارج المدينة، والمبيت هناك ليلتين، مع اشتراط عدم حضور الأهل، وعدم إعطاء الأطفال هاتفا جوالا، «لتحقيق أكبر قدر من الفوائد من هذه الدورة»، كما ورد في رسالة المدرسة.

الثقة المتبادلة

لم نعتد في الغرب أن يفكر لنا أحد، سواء كانت جهة حكومية أو مؤسسة تعليمية، بل دائمًا تكون هناك استشارة مسبقة مع الأطراف المعنية كافة، وأخذ الآراء قبل التوصل إلى قرار، كما أنني أعلم عدم رغبة ابنتي في المبيت خارج البيت، ورغبتها دومًا في توفر وسيلة اتصال في حالة حدوث أي موقف يتطلب تدخل الأهل، على الأقل للشعور بالأمان، لذلك قررت عدم تحويل الرسوم، والتوجه في صباح اليوم التالي إلى المدرسة لفهم ما يحدث.

كأن مدير المدرسة كان ينتظرني، وغيري كثيرون من أولياء الأمور الذين حضروا للاستفهام - حتى لا أقول للاستنكار - حول هذا الإجراء  وجدناه يستقبلنا على بوابة المدرسة، ويصطحبنا إلى مكتبه، ويشرح لنا أن فترة العطلة الصيفية حالت دون التواصل مع الأهل، ومناقشة الأمر معهم، إضافة إلى أن المواعيد القليلة المتاحة لهذه الدورات، وضع إدارة المدرسة في مأزق، إما أن تؤجل الدورة عدة أشهر، أو أن توافق على هذا الموعد، وتنتظر من أولياء الأمور أن يمنحوا إدارة المدرسة من الثقة، ما يجعلهم يعطونها الفرصة لإثبات صحة موقفها، واختتم حديثه بالتنبيه إلى أن موقع المدرسة على الإنترنت فيه تفاصيل عن هذه الدورة، وتجارب الصفوف المختلفة معها في الأعوام السابقة.

لماذا يحتاج التلاميذ للدورة؟

لم تتجاهل السلطات التعليمية في الغرب أحداث العنف التي شهدتها بعض المدارس، والتي قام فيها طلاب بإطلاق النار على زملائهم ومعلميهم قبل أن ينتحروا، وبحثت عن أسباب ذلك، وقررت وضع استراتيجيات لمواجهة هذه الظاهرة، تعتمد على ترسيخ مبدأ اللاعنف، أي إقناع كافة الأطراف بأن كل مشكلة مهما عظمت، يمكن حلها بالوسائل السلمية، بشرط أن تتعاون كافة الأطراف للقيام بخطوات مشتركة، لكل فرد فيها دور هام، قبل أن تظهر أي بوادر لذلك السلوك.

وتوصل المسؤولون إلى أنه غالبًا ما يكون في كل صف طالب- أو طالبة- يتعرض بصورة مكثفة لسخرية زملائه أو زميلاته أو اضطهاده، وقد يصل الأمر إلى الاعتداء الجسدي إضافة إلى الاعتداء النفسي عليه، بسبب زيادة وزنه، أو وجود أي نوع من الإعاقة لديه، أو الاختلاف عن الغالبية، وهو الأمر الذي قد يجعل الضحية يصل إلى مرحلة من الضغط النفسي والانهيار العصبي، تجعله يقوم برد فعل عنيف بغية الانتقام من كل من تسبب في ألمه، أو خذله ولم يدافع عنه.

أراد واضعو الاستراتيجيات الجديدة أن يجعلوا الطلاب يشعرون بأنهم وحدة متماسكة، وأن بينهم ترابطا وتماسكا يحول دون وجود أي صراعات داخلية، فالأولاد والبنات ليسوا في الصف باعتبارهم ذكورا وإناثا، بل بينهم علاقة زمالة وود فحسب، والاختلاف الديني أو العرقي أو الثقافي، لا يجب أن يحول بين هذا التقارب بينهم، الطالب أسود البشرة، ليس منبوذًا أو شاذًا، والطالب المسلم أو البوذي أو اليهودي، لا يجب أن يشعر بالغربة بين الغالبية المسيحية، مع وضع الإجراءات الكفيلة بترسيخ ذلك، والطالب القادم من أسرة متواضعة الدخل، لا يجب أن يشعر بالخجل من ذلك، أو بأنه منبوذ، فكيف يمكن إزالة كل هذه الفوارق؟

أعرف أن البعض لا يتقبل ما أذكره، وهو ما أتفهمه لاختلاف الثقافة، ولكن لا يمنع ذلك أن نتعلم من تجاربنا المختلفة، بشرط ألا نصدر أحكامًا مسبقة، تجعلنا نرفض الآخر، حتى من قبل أن يفتح فمه.

البرامج المختلفة

يفضل القائمون على هذه الدورات، أن تقام في مكان بعيد عن المدرسة، بحيث يمكن الخروج من كافة الهياكل السائدة قبل الدورة، وحتى يمكن وضع أسس جديدة لعلاقة تختلف عن ذي قبل، ولذلك فقد استقر الرأي على أن تقام في بيت للشباب يقع على النهر في مكان، يسمح لهم بالخروج إلى الطبيعة، والتجول في الغابة، وعمل تمارين في الهواء الطلق، والاعتماد على النفس، في ظل غياب الأهل.

ولا تقتصر البرامج على المرحلة السنية لطلاب المرحلة المتوسطة، بل هناك دورات للأطفال من الصف الثالث الابتدائي، وحتى المرحلة الثانوية، ودورات للتلاميذ والطلاب من ذوي الإعاقة الذهنية، ودورات للمعلمين والمعلمات من كافة المراحل، لتدريبهم على كيفية تحقيق الأهداف المذكورة، من عدم اللجوء للعنف، والقضاء على مسبباته.

وهناك أهداف أخرى متعلقة بالحياة اليومية، مثل كيفية التصرف في المواقف الصعبة، مثل أن تجد الفتاة من يقطع عليها الطريق ليضايقها، وهو أمر نادر الحدوث في الغرب لصرامة العقوبات، ولأن المجتمع لا ينظر للفتاة على أنها أضعف من الفتى، وأن الفتيات لا يؤمن بتفوق الفتيان عليهن، ولذلك فإن لدى الفتاة من الثقة بالنفس ما يجعلها قادرة على التعامل مع هذه الموقف بجدارة، وهو ما يتم ترسيخه في هذه الدورات.

وهناك دورات عن كيفية التعبير عن النفس، في حالة حدوث ما لا يستريح له الفتى أو الفتاة، مثل محاولة أي شخص، كبيرًا كان أو صغيرًا، الاقتراب من جسده أو جسدها، بحيث لا يتكرر ما حدث في المدارس التابعة لبعض الكنائس الكاثوليكية، قبل عدة عقود، وهي الفضيحة التي ظهرت على السطح في السنوات القليلة الماضية، فيتعلم الطلاب في هذه الدورة أن أي شخص حتى ولو كان المعلم أو راعي الكنيسة أو أحد الأقارب، لا يحق له تجاوز الحد الذي يسمح به الفتى أو الفتاة، لأن لكل إنسان شعورا مختلفا بهذا الأمر، حيث لا يستريح البعض إذا وضع أحد يده على كتفه، أو حتى أن يمسك يده طويلًا بعد السلام، وهنا فإن من حقه أن يحترم الآخرون رغبته، ويتعلم الفتى أو الفتاة كيفية التعبير عن هذه الرغبة، بأن يقول للشخص الآخر بوضوح أن يتوقف عن عمل ذلك، وكيفية التصرف إذا لم يحترم الآخر ذلك.

وهناك دورات لإعداد التلاميذ والطلاب بحيث يكونون مؤهلين لحل النزاعات بأساليب سلمية، حتى خارج نطاق صفهم، ويكونون خبراء في نقل هذه الخبرات التي تعلموها لغيرهم، من خلال التطبيق العملي للطرق التي تعلموها أثناء دورة مكثفة.

وهناك دورات موجهة بالدرجة الأولى للصفوف التي فيها تلاميذ أجانب، بحيث يتم النظر إلى وجودهم كإثراء للصف، من خلال التعرف على رؤية مختلفة للعالم، كما يتعلم التلاميذ في هذه الدورات احترام الأديان والثقافات والجنسيات الأخرى.

تفاصيل الرحلة

 حتى يتمكن القارئ من الحكم بنفسه على التجربة، أنقل له تفاصيل التجربة التي مرت بها ابنتي، حيث توجهت إلى المدرسة في الصباح، ومعها الحقيبة المدرسية، لأنه تقرر أن يدرس التلاميذ أربع حصص قبل أن يغادروا المدرسة، حتى لا يتأثر المنهاج الدراسي، وحتى تكون المواصلات أقل ازدحامًا من فترة الصباح الباكر، وكان معها أيضًا حقيبة ملابس مثل الحقائب المسموح بأخذها على متن الطائرة، واشترطت إدارة المدرسة هذه المواصفات، بحيث يسهل حمل الحقيبة، وعدم إزعاج بقية الركاب في المواصلات العامة، التي استخدمها التلاميذ في انتقالاتهم.

لم أفهم في البداية سبب عدم تأجير المدرسة لباص ينقل التلاميذ مباشرة إلى مقر الدورة، بدلًا من استخدام ثلاث مواصلات متتالية، ثم السير عشر دقائق على الأقدام في جو ممطر، ولكن المعلم والمعلمة المرافقين للتلاميذ، أوضحا لهم أن من بين الأهداف التعود على الحياة اليومية بصورتها الفعلية، ليتعلم 30 طالبًا وطالبة الصعود خلال فترة توقف الباص أو المترو، وهي الفترة التي لا تتجاوز دقيقتين أبدًا، وذلك بأن يقسموا أنفسهم على أكثر من باب، بحيث لا يسدوا الأبواب على بقية الركاب، وأن يجدوا مكانًا للجلوس أو الوقوف ومعهم حقائبهم، مما يوضح أهمية الالتزام بأحجام صغيرة من الحقائب، وكان في ذلك مغامرة شيقة لابنتي التي اعتادت أن تجد دومًا من يوصلها للمدرسة ومن يعيدها إلى المنزل بالسيارة.

في الباص جلس المعلم والمعلمة على مسافة تسمح لهما بمراقبة الوضع، لكنهما لم يحتاجا للصراخ على التلاميذ ليلتزموا بالهدوء، ولم يضطرا لأن يعلموا التلاميذ كيفية احترام النظام، من عدم تناول المشروبات أو الأطعمة، وترك المقعد للراكب الكبير في السن، وعدم الجري و تجنب الحركة العنيفة والضحك بصوت عال في المواصلات، وغير ذلك من الآداب المتبعة.

وحين وصلوا إلى بيت الشباب، جرى توزيع الغرف، كل أربع إلى ست فتيات في غرفة في الطابق الثاني مع المعلمة، وكل أربعة إلى ستة فتيان في غرفة في الطابق الرابع مع المعلم، ودار حوار بين سكان كل غرفة، عمن يحصل على الأَسِرَّة العلوية، ومن ينام في السرير السفلي، حيث كان هناك إقبال على تجربة النوم في سرير بطابقين، وجرى الاتفاق على أن الأولوية لمن عنده مبرر هام، مثل الإصابة بمرض الربو، والذي قد يزيد عند النوم على السرير السفلي، لهبوط ذرات الأتربة أو غيرها من مراتب السرير العلوي، أو من عنده الشعور بالخوف من سقوط السرير العلوي، ولم يحدث أي خلاف على ذلك، ودون تدخل من شخص كبير، بل تمكن الطلاب والطالبات من القيام بذلك بأنفسهم.

نزلوا لتناول طعام الغداء، والذي كان مراعيًا لوجود تلاميذ مسلمين لا يتناولون لحم الخنزير، ولوجود تلاميذ نباتيين لا يأكلون أي نوع من اللحوم، مع التنوع الكبير، بحيث يجد كل واحد من التلاميذ ما يطيب له، مع تناول الماء مجانًا، أو شراء أي مشروب آخر من حسابه الخاص، لعدم تشجيع التلاميذ على تناول مشروبات غازية، فيها الكثير من السكر، وتضر بالصحة.

الخطوة الأولى

نزل التلاميذ إلى صالة التمارين، ليجدوا مدربة للفتيات، ومدربًا للفتيان، لأنه هناك تمارين منفصلة، وأخرى مشتركة، وبعد التعريف بأنفسهم، جرى الاتفاق على القواعد التنظيمية، منها مثلًا أنه إذا تحدث تلميذ دون الحصول على إذن مسبق، فإنه يغادر الصالة، ويبقى في الخارج، حتى يسمح له بالدخول مرة أخرى، وفي الدقيقة الأولى جرب تلميذ معروف بالشغب، أن يكرر كلام المدرب بسخرية، فطلب منه المدرب مغادرة الصالة فورًا، وحين أغلق الباب بعنف، أعاده المعلم إلى الصالة، ليعتذر ويعود للخروج بهدوء، ويبقى عشر دقائق بمفرده، عاد بعدها في غاية الأدب، ولكنه لم يتعرض لأي توبيخ أمام زملائه وزميلاته، ولم يشمت أحد منهم فيه. كان هذا هو الموقف الأول والأخير، وتبين للتلاميذ بعدها أهمية الالتزام بالقواعد.

تعلم التلاميذ أنه يمكن لكل واحد منهم أن يعتمد على الآخر، بأن يقف زميل له أمامه وآخر خلفه، فيقوم بإلقاء جسده تجاه أحدهما، ليقوم زميله بإمساكه قبل أن يقع على الأرض، فيتعلم أن يثق فيه، ويتعلم الآخر أن يتحمل مسؤولية حماية زميله من السقوط، وألعاب كثيرة تعتمد على هذا المبدأ.

ثم يقوم سبعة طلاب وطالبات بحمل زميل لهم إلى أعلى، ثم الهبوط به إلى أسفل، بحيث لو تركه أي واحد منهم، سقط على الأرض، فيتشاركون في تحمل المسؤولية، ويثق التلميذ المحمول في زملائه، بأنهم لن يخذلوه في هذا الموقف.

وبعد كل لعبة يصيح المدرب والمدربة، بصوت عال: «من نحن؟ من نحن؟ نحن صف واحد، كلنا واحد، الواحد من أجل الكل، والكل من أجل الواحد»، ليكرر التلاميذ هذه العبارات، حتى ترسخ داخلهم.

لم يفكر أحد من التلاميذ أنه يحمل طرفًا من جسد زميلته، أو لم تشعر تلميذة بأنها تسمك كتف زميلها، لأن الأمر في هذا الموقف جاد للغاية، ولا مجال فيه للسفاهة أو للدعابة أو للقيام بأي تصرف معيب، لأن المخ في هذه اللحظات يفكر في قضايا أخرى، لا يجوز أن نلغيها كلها للتفكير في جنس التلميذ، ولعل التلميذ الذي تعلم ذلك في هذا الموقف، لن يشعر بالحرج أن يشد أي فتاة من يدها في الطريق، إذا وجد سيارة تكاد تصدمها، وهي لا تنتبه، أو أن يحملها من قارعة الطريق، إذا فقدت الوعي، انتظار لقدوم سيارة الإسعاف، أو ينقذها من الحريق، إذا كانت في داخل مدرسة، تعلوها ألسنة اللهيب، دون انتظار لولي أمرها.

بعد التمارين جلس التلاميذ والتلميذات في حلقة كبيرة، والمعلمون والمدربون خارجها، وهم يطلبون من أحد التلاميذ أن يدخل في وسط الحلقة، ليقوم بتحليل أحد التمارين، بماذا شعر وهو محمول على أعناق زملائه؟ هل تردد لحظة في الثقة فيهم؟ هل فكر في أن فلانًا صديقه سيكون أحرص عليه من البقية؟ أم أصبح الصف كله سواء عنده؟ هل فكر في دين زميله الذي يحمله أو لون بشرته أو ثقافته ؟ وانتهى اليوم الأول بسعادة عند الجميع، وبوعي بأهمية التماسك داخل الصف.

الخطوة الثانية

تمارين اليوم الثاني كانت تعتمد على الخروج من المبنى، بحيث يشعر التلميذ أو التلميذة بأن الموقف واقعي، رغم أنه محاكاة لموقف يمكن أن يحدث، مثلًا أن تسير فتاة بمفردها، ثم تجد فجأة شخصًا رجلًا أو امرأة يقف في وسط الطريق، ولا يسمح بالمرور، وهنا يقوم كل فتى وكل فتاة، بالتصرف بتلقائية، ويقوم المدرب أو المدربة بتوجيه إرشادات ونصائح، بعد تحليل سلوك الفتى أو الفتاة، والدرس الكبير في هذا التدريب، هو كيفية عدم إظهار الخوف، من خلال التحدث بصوت عال وبنبرة تعبر عن الثقة بالنفس، لأن المعتدي إذا شعر أن من أمامه ضعيف، وأنه ضحية سهلة المنال، لن يتردد في الهجوم، أما إذا شعر أن تصرف الفتى أو الفتاة أمامه سيجلب له المشاكل، فإنه سيفكر كثيرًا قبل القيام بأي شيء، ويتعلم التلاميذ كيف يطلبون المساعدة من المارة، بأن يوجهوا حديثهم لشخص بعينه، لا أن يصرخوا فقط، فلا يشعر أحد أن الكلام موجه له، ويتعلموا أن حياتهم أغلى من الجوال أو المال الذي بحوزتهم، وأن الفطنة تقتضي أحيانًا أن تسلم ما معك للمهاجم، إذا وجدته يحمل سلاحًا، بدلًا من أن تدخل في معركة تهدد حياتك.

رفعت أصغر فتاة في الصف يدها، وقالت: «إذا كان معي الكتاب المقدس، فإنني لن أسلمه للمعتدي، لأنه أغلى من حياتي!»، ودار نقاش مع المدربين، الذين أوضحوا لها أن المعتدي لن يريد الحصول على الكتاب المقدس، وأنه يمكن تعويض نسخة الإنجيل، لكن الحياة لن يمكن استعادتها، إذا قرر اللجوء للسلاح، وشارك التلاميذ والتلميذات في النقاش، ووافقوا على كلام المدرب.

ابنتي ذات الصوت المنخفض، والخجل الشديد، تعلمت كيف تصرخ بصوت عال، وبثقة لم أعهدها عليها من قبل، وتعلمت أنها إذا استدارت لتهرب، أصابها الارتباك، وأيقن المهاجم خوفها، ولحق بها، لذلك فالأفضل أن تتمالك أعصابها، وتظهر رباطة جأشها، لتنقذ نفسها من الموقف.

الطريف أن المدربين استطاعوا أن يلقنوا التلاميذ هذه الطرق، دون أن يجعلوهم يشعرون أن المخاطر تتربص بهم في كل مكان، على عكس بعض الأهل الذين يريدون أن يعلموا أطفالهم الحذر، فإذا بهم يجعلونهم لا يستطيعون النوم من فرط المخاوف التي تتملكهم، والتي تطاردهم في يقظتهم ومنامهم، لذلك فإنه من المعروف أن الشخص الذي يقول لنفسه: «لا تسقط على درجات المسرح أمام الحضور»، يجعل مخه يتصوره طوال الوقت، لذلك فإنه فعلًا يتعثر ويسقط، أما إذا قال لنفسه: «سر بخطى ثابتة، وبهدوء يدل على الثقة بالنفس»، بقي مخه يفكر بهذه الطريقة الإيجابية، ويفعلها بنجاح، ولعل ذلك ما يفعله هؤلاء المدربون، الذين يركزون على الآثار الإيجابية للتصرف السليم، وليس على العواقب الوخيمة، عند سوء التصرف.

ثم جرى تناول مشاعر التلميذ الذي يتعرض للاضطهاد، والذي يكون موضع سخرية زملائه، والألم النفسي بل ربما البدني الذي يلقاه، وأصبح مطلوبًا من كل واحد منهم، أن يتحول للحظات بسيطة هذا الضحية، ليشعر بما يشعر به، ويرى الصورة من زاوية الضحية، كيف يشعر بالإحباط من عدم وجود من يمد له يده، ويتعلم التلاميذ قاعدة هامة تتعلق بذلك هي عدم السلبية والتجاهل، بل بالتدخل لحماية الضحية، والعمل بكافة السبل على وقف هذه الاعتداءات، وتشجيع الآخرين على المشاركة في إيقاف المعتدي عند حده، ثم يجري مناقشة انطباع كل واحد وواحدة منهم في أثناء هذه اللحظات المريرة.

كشف المدرب للتلاميذ أنه علم من مربي الصف ومربيته، أن هذا الصف كان يعاني من بعض  الشللية، أي كل ثلاثة أو أربعة يكونون شلة، أو جماعة منفصلة عن البقية، جزر معزولة بعضها عن بعض، وخلافات بين هذه الشلل، وشعور دومًا بأن كل واحد منهم له صديق أو صديقان فقط، والبقية لا يربطه بهم شيء، وأن الفتيان كانوا يحبون السخرية من الفتيات، والفتيات لا يرون في أي فتى شيئًا إيجابيًا، وهي مشاعر تحول دون الشعور بالراحة في المدرسة، فإذا بهذه الدورة تجعلهم يشعرون بأن كل من في الصف هم جماعته التي ينتمي إليها، ويمكنه الاعتماد عليها.

الاحترام المتبادل وكلمات المجاملة بين التلاميذ كانت الدرس الأخير، تعلموا أن كلمات وعبارات مثل: «شكرا، وأتمنى لك يومًا سعيدًا، وكيف حالك هذا الصباح؟ وما أجمل ملابسك اليوم، وما الذي يضايقك؟ ولو سمحت أحتاج مساعدتك، وهل يمكن أن أحمل معك أغراضك؟» تجعل التلميذ يشعر بأنه إنسان مهم في عين زملائه، وأنهم يحترمونه، وأنه في بيئة راقية في تعاملها بعضها مع بعض.

«الثقة جيدة، لكن الرقابة أفضل»

قبل أن يغادر التلاميذ والتلميذات بيت الشباب للعودة إلى الأهل، يتفقون مع المدربين على لقاء بعد ثلاثة أشهر، يأتي المدربون فيه إلى المدرسة، للتأكد من استمرار تطبيق التلاميذ لما تعلموه، أو تكرار جزء من الدورة أو كلها، أو حتى تعديل القواعد التي تعلموها، إذا وجدوا أنها لا تتفق مع واقعهم.

مثل هذه الدورة توضح أن المسؤولين بحثوا عن حلول أو على الأقل محاولات حلول للمشاكل الناجمة عن خروج ظاهرة العنف إلى السطح، بعد أن كانت قد اختفت من قاموس الكثير من المدارس في الغرب، باعتبار أن اللجوء إلى العنف لحل المشاكل، يتعارض مع روح الحضارة والعصر الحديث، الذي يؤمن بأن هناك شرعية قانونية، تأخذ للمظلوم حقه، وأن دولة القانون تهيمن على كل جوانب الحياة.

الدرس الثاني من هذه الدورات هو أن السلوك الحضاري الذي قد نلحظه في الكثير من مدارس الغرب، لا يأتي من تلقاء نفسه، بل هو حصيلة جهود مضنية، يقوم بها البعض، يتكلف المال والوقت والدراسات النفسية والبدنية والاجتماعية.

ما أتمناه هو ألا يؤدي رفض القارئ لأي جزئية من هذه الدورة، إلى أن يرفضها برمتها، لأنه من المؤكد أن بعض المشاكل التي كانت سائدة في صف ابنتي موجودة في الكثير من المدارس، في الغرب وفي الشرق أيضًا.