باب في ذكر الرياح وأسمائهن وتحديد مهابهن

الرياح أربع : الصّبا والدّبور والشّمال والجنوب. فالصّبا تهبّ من مشرق الاستواء ، وهو وسط المشرقين. والدّبور تهبّ من مغرب الاستواء ، وهو وسط المغربين ، مقابلة للصّبا. والشّمال تهبّ من ناحية القطب الأعلى. والجنوب تهبّ من ناحية القطب الأسفل مقابلة للشّمال. فهذه حدود الرياح عند أهل الحساب وعلماء العجم (١).

وكلّ ريح هبّت (٢) بين حدّ من هذه الحدود فهي عندهم منكبة غير أصلية. والعرب تسمّيها نكباء لأنها نكّبت عن مهابّ الرياح ، أي عدلت. وجمع النّكباء نكب.

وقد اختلفت الحكاية عن العرب في تحديد مهابّ الرياح. فحكى ابن الأعرابيّ (٣) أن مهبّ الجنوب من مطلع سهيل إلى مطلع الثّريّا ، ومهبّ الصّبا من مطلع الثّريّا إلى بنات نعش ، ومهبّ (٤) الشّمال من بنات نعش إلى مسقط النّسر الطائر ، ومهبّ الدّبور من مسقط النّسر إلى مطلع سهيل.

__________________

(١) أنظر الأنواء ١٥٨ ـ ١٦٩ والأزمنة ٢ / ٢٧٤ ـ ٢٨٥ ، والآثار الباقية ٣٣٩ ـ ٣٤٠.

(٢) في الأصل المخطوط : هب ، وهو غلط

(٣) هو أبو عبد الله محمد بن زياد بن الأعرابي ، من علماء الكوفة المشهورين (٢٣١) ترجمته في الفهرسة ٦٩ ، وطبقات النحويين للزبيدي ٢١٣ ـ ٢١٥ ، وتاريخ بغداد ٥ / ٢٨٢ ـ ٢٨٥ ، وإناه الرواة ٣ / ١٢٨ ـ ١٣٧ ، ومعجم الأدباء ـ ١٩٦ ١٨ / ١٨٩ وبغية الوعاة ٤٢ ـ ٤٣ ..

(٤) في الأصل المخطوط : مهاب ، وهو غلط.

 

وذكر ابن كناسة عن خالد بن صفوان (١) أنه قال : مهبّ الصّبا ما بين مطلع الشّرطين إلى القطب ، ومهبّ الشّمال ما بين القطب إلى مسقط الشّرطين ، ومهبّ الدّبور ما بين مسقط الشّرطين إلى القطب الأسفل ، ومهبّ الجنوب ما بين القطب الأسفل إلى مطلع الشّرطين.

وذكر الأصمعي (٢) وأبو زيد الأنصاري (٣) في تحديد الرياح نحوا مما قاله أهل الحساب.

قال الأصمعي : معظم الرياح أربع. وحدّهن بالبيت الحرام ، حرسه الله تعالى. فقال : القبول التي تأتي من قبل الكعبة ، شرّفها الله تعالى ، وهي الصّبا. والدّبور التي تأتي من دبر الكعبة ، والشّمال التي تأتي من قبل الحجر (٤) ، والجنوب من تلقائها ، يريد تلقاء الشّمال. قال وكلّ ريح انحرفت ، فوقعت بين ريحين من هذه الرياح فهي (٥) نكباء.

وقال أبو زيد مثل ذلك.

وأنشدوا لذي الرّمّة يذكر الرياح الأربع والنّكب :

__________________

(١) هو خالد بن صفوان بن عبد الله بن عمرو بن الأهتم التميمي المنقري ، من فصحاء العرب ، ولد ونشأ بالبصرة ، وكان يجالس الخلفاء ، وأدرك خلالة أبي العباس السفاح العباسي. ترجمته في وفيات الأعيان (١ / ٢٤٣) في ترجمة أبي بردة الأشعري) ، وأمالي المرتضى ١ / ٢٩٥ ، ٢ / ٢٦١ ـ ٢٦٢ ، ومعجم البلدان.

(٢) هو أبو سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي ، اللغوي البصري المشهور (٢١٦). ترجمته في الفهرست ٥٥ ـ ٥٦ ، وطبقات النحويين للزبيدي ١٨٣ ـ ١٩٢ وأخبار النحويين البصريين ٤٥ ـ ٥٢ ، وتاريخ بغداد ١٠ / ٤١٠ ـ ٤٢٠ ، وانباه الرواة ٢ / ١٩٧ ـ ٢٠٥ ، وطبقات القراء ١ / ٤٧٠ ، وبغية الوعاة ٣١٣ ـ ٣١٤.

(٣) هو أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري ، اللغوي البصري المشهور (٢١٥). ترجمته في الفهرست ٥٤ ـ ٥٥ ، وطبقات النحويين للزبيدي ١٨٢ ـ ١٨٣ ، وأخبار النحويين البصريين ٤١ ـ ٤٥ ، وتاريخ بغداد ٩ / ٧٧ ـ ٨٠ وإنباه الرواة ٢ / ٣٠ ـ ٣٥ وطبقات القراء ١ / ٣٠٥ ، وبغية الوعاة ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

(٤) منطقة عند وادي القرى في شمال الحجاز ناحية.

(٥) في الأصل المخطوط : وهي ، وهو غلط.

 

 

أهاضيب أنواء وهيفان جرّتا

 

على الدّار أعراف الجبال الأعافر (١)

وثالثة تهوي من الشّام حرجف

 

لها سنن فوق الحصى بالأعاصر (٢)

ورابعة من مطلع الشّمس أجفلت

 

عليه بدقعاء المعا وقراقر (٣)

وحنّت بها النّكب السّواقى فأكثرت

 

حنين اللّقاح القاربات العواشر (٤)

أراد بالهيفين الجنوب والدّبور ، لأن العرب تصفهما بالحرّ ، والهيف الريح الحارّة.

والتي «تهوي من الشام» هي الشّمال ، وتسمّى الريح الشآمية لأن مهبّها من بلاد العرب (٥) مما يلي الشام.

والتي «من مطلع الشمس» الصّبا ، وتسمّى القبول وتسمّى الريح الشرقية. وكانت العرب تجعل بيوتها بإزاء الصّبا ومطلع الشمس والصّبا يتبرّك بها ، وهي ريح النصر (٦) التي نصر بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نصرت بالصّبا ، وأهلكت عاد بالدّبور (٧)» والصّبا ريح أهل نجد ، وبها يمطرون.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : أهاضيب ، وهو تصحيف. وفيه أيضا : الجبال والأبيات من قصيدة لدى الرمة مطلعها :

أشاقتك أخلاق الرسوم الدواثر

 

بأدعاص حوضى المعنقات النوادر

والأهاضيب : الأمطار ، واحدها أهضوبة والحبال : حبال الرمل. وأعرافها : أعاليها. يريد رمال الأعالي. والأعافر : الحمر ، واحدها أعفر ، من العفرة ، وهي لون التراب والرمل الضارب إلى الحمرة. الحرجف : الريح الشديدة الباردة. والسنن : الإسم من استنت الريح ، إذا اسرعت واشتد هبوبها. والأعاصير : جمع إعصار ، وهو التراب والعجاج يرتفع مع الرياح. وأجفت به : أي طيرته وأقبلت به. والدقعاء : التراب والمعا وقراقر : موضعان. والسوافي : التي تسفي التراب. واللقاح : جمع لقحة ، وهي الناقة التي وضعت جنينا. والقاربات : التي قرين الماء. والعواشر : التي ترد الماء العشر ، أي في اليوم العاشر من شربها.

والقصيدة في ديوان ذي الرمة ٢٨٢ ـ ٣٠٢ ، والأبيات الأربعة في الآثار الباقية ٣٤٠ ، والأنواء ١٥٩ ، والأزمنة ٢ / ٧٨.

(٢) في الأصل المخطوط : بين بدل سنن ، وهو تصحيف.

(٣) في الأصل المخطوط : وأربعة ، وهو غلط.

وفيه أيضا : أحبلت بدل أجفلت ، وهو تصحيف.

وفيه أيضا : برقعاء ، وهو تصحيف.

وفيه أيضا : وفرافر ، وهو تصحيف.

(٤) في الأصل المخطوط : القاربان ، وهو تصحيف.

(٥) في الأصل المخطوط : المغرب ، وهو تصحيف.

(٦) يعني بالنصر هاهنا نصر يوم الخندق ، حين هبت ريح شديدة في يوم شات ، فجعلت تكفى قدورهم ، وتقلب أبنيتهم ، فضعفوا وارتحلوا من الليل عن المدينة خائبين. أنظر الآثار الباقية ٢٥٥.

(٧) أنظر الحديث في النهاية ٢ / ١١ ـ ١٢ ، والآثار الباقية ٢٥٥ ، واللسان (دبر).

 

وأمّا الدّبور فهي الريح الغربية ، وتسمّى محوة ، لمحوها الآثار بشدّة عصوفها. هذا قول أبي زيد الأنصاري. وزعم الأصمعي أن محوة من أسماء الشّمال. والدّبور أقلّ الرياح هبوبا. وهي الريح العقيم ، لأنها لا تستدرّ السحاب ولا تلقح الشجر.

وأما الجنوب فهي الريح اليمانية ، لأن مهبّها من بلاد العرب مما يلي اليمن. ومن أسمائها الأزيب (١) والنّعامى والهيف. والجنوب ريح أهل الحجاز ، بها يمطرون ، وإياها يستطيبون. وأمّا غير أهل الحجاز فليست الجنوب بموافقة لهم ، وهي في الضّرر كالأخت الدّبور. ومتى اشتدّ هبوبها كدّرت الهواء والماء ، وأثقلت الحواسّ ، وخوّرت (٢) الأبدان وأرخته وأهعل مصر يسمّونها المريسيّة (٣). وإذا دامت عليهم أهلكتهم.

وأمّا الشّمال فمن (أسمائها) الحدواء (٤) والمسع (٥). قال الأصمعي : ومحوة اسم للشمال ، لأنها تمحو السحاب. وهذا القول إنما يصحّ على مذهب أهل الحجاز ، لأنهم يمدحون الجنوب ، ويذمّون الشّمال. وأمّا بلادنا نحن فمن شأن الشّمال (فيها) إثارة السحاب وإدرار الغيث. وكذلك هي عند غير أهل الحجاز من العرب. والشّمال

__________________

(١) في الأصل المخطوط : الأرتب ، وهو تصحيف.

وقال الزبيدي في التاج : الأزيب كالأحمر : الجنوب ، هذلية ، به جزم المبرد في كامله ، وابن فارس والطرابلسي». أنظر التاج واللسان : زيب ، والأزمنة ٢ / ٧٧. ويعني بالطرابلسي هاهنا أبا إسحاق ابن الأجدابي مؤلف هذا الكتاب.

(٢) في الأصل المخطوط : تورث ، وهو تصحيف.

وخورت الأبدان : أي أضعفتها وأورثت فيها فتورا

(٣) في الأصل المخطوط : المريسة ، وهو تصحيف.

والمريسية : ريح جنوبية تهب من قبل مريس ، وهي أدنى بلاد النوبة التي تلي أرض أسوان من صعيد مصر في أعالي النيل. وهي ريح باردة تقطع الغيوم وتصفي الهواء وتقوي حرارة الأبدان ويقع الوباء إذا دامت المريسية في مصر. كما يقع الوباء في العراق إذا دامت الريح في أيام البوارح. وأيام هبوب المريسية في مصر مقابلة لأيام البوارح ببغداد. لأن المريسية تهب في مصر في كانون الأول ، والبوارح في العراق تهب في حزيران والبوارح تدوم أربعين يوما ، والمريسية أربعين.

أنظر الإشراف والتنبيه ١٧ ـ ١٨ واللسان (مرس).

(٤) في الأصل المخطوط : الحوما ، وهو تصحيف.

وسميت الشمال حدواء لأنها تحدو السحاب ، أي تسوقه وتدفعه (الأنواء ١٦٠ ـ ١٦١ ، واللسان : حدا).

ويمكن أن تقرأ الكلمة في متن الكتاب : الجربياء ، وهي من أسماء الشمال أيضا ومعناها الباردة التي ترمي بالجريب وهو التراب والحصى (الأزمنة ٢ / ٧٧ ، واللسان : جرب).

(٥) في الأصل المخطوط : الميع ، وهو تصحيف.

والمسع يقال لها النسع أيضا (الأنواء ١٦٢ ، واللسان مسع ، نسع).

 

يشتدّ هبوبها بالنهار. فإذا كان الليل لانت وسكنت. والجنوب تهبّ بالليل. تقول العرب : «إن الجنوب قالت للشّمال : إن لي عليك فضلا ، أنا أسري ، وأنت لا تسرين (١). فقالت الشّمالك الحرّة لا تسري (٢)». ولذلك سمّوا الشّمال مؤوّبة والتّأويب : سير النهار ، والسّرى (٣) : سير الليل. قال الهذليّ (٤)

قد حال بين دريسيه مؤوّبة

 

مسع لها بعضاه الأرض تهزيز (٥)

__________________

(١) في الأصل المخطوط : لا تسيرين ، وهو تصحيف.

(٢) أنظر القول في الأنواء ١٦١.

(٣) في الأصل المخطوط : والسير ، وهو تصحيف.

(٤) هو المتنخل الهذلي ، واسمه مالك بن عمرو بن عثم ، وهو شاعر جاهلي. ترجمته في الشعراء ٦٢ ـ ٦٤٧ ، والأغاني ٢٠ / ١٤٥ ـ ١٤٧ ، والمؤتلف ١٧٨ ـ ١٧٩ ، اللآلي ٧٢٤ ، والاقتضاب ٣٦٣ ، والخزانة ٢ / ١٣٥ ـ ٣٧ ، والعيني ٣ / ٥١٧

(٥) في الأصل المخطوط : دريسه. بعصاه تهرير ، وهي تصحيف.

والبيت من قصيدة للمتنخل مطلعها ، وصلة البيت قبله :

لا درّ درّي إن أطعمت نازلكم

 

قرف الحتيّ وعندي البرّ مكنوز

لو أنّه جاءني جوعان مهتلك

 

من بؤّس النّاس عنه الخير محجوز.

.................

قد حال دون .......

الدريس : الثوب الخلق. والعضاه : كل شجر له شوك.

والقصيدة في ديوان الهذليين ٢ / ١٥ ـ ١٧. والبيت وحده في الأنواء ١٦١ ، والأزمنة ٢ / ٧٧ ، واللسان (مسع) وفيه أن ابن بري ذكر أن البيت لأبي ذؤيب الهذلي.