باب ذكر أوقات الليل وتقدير ما يمضي منه بمسير المنازل

اعلم أن الليل في قول بعض أهل العلم محسوب من غروب الشمس إلى طلوعها. وهو مذهب أهل الحساب. وقيل إن الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. وعلى هذا القول عامّة العلماء لأن حكم الليل في الصيام والصلاة ينقضي بطلوع الفجر.

فمن قال إن الليل من غروب الشمس إلى طلوعها جعل الليل أسباعا ، قدر كلّ سبع من طلوع منزلتين أو توسّط منزلتين لأن الطلوع من غروب الشمس إلى طلوعها أربع عشرة منزلة ، وبمثل ذلك تتوسط من غروب الشمس إلى طلوعها. ومن قال إن الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر جعله أسداسا ، لكل سدس منزلتان. وذلك كله على التقريب ، لا على الحقيقة أعني تقدير الليل بالمنازل.

فإذا أردت أن تعلم ذلك الوقت أو المنزلة الغاربة فاستدلّ بأيّ دليل تمكنت لك معرفته على قدر ما مضى من الليل وما بقي منه. فأمّا المنزلة الغاربة فتعدّ من منزلة الشمس إليها ، وتسقط من حسابك واحدا أبدا. فما بقي فهو عدّة ما مضى من الليل لكلّ منزلة ساعة ، والساعة نصف سدس الليل ، على أن الليل محسوب من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. وإن شئت فعدّ من المنزلة الغاربة إلى المنزلة التي تسقط عند طلوع الفجر ، وهي المنزلة الثالثة عشرة من منزلة الشمس ، وأسقط من حسابك أيضا واحدا. وما بقي فهو عدّة الساعات الباقية من الليل إلى طلوع الفجر.

 

وأمّا المنزلة الطالعة فعدّ من نظير منزلة الشمس إليها ، وتسقط من حسابك واحدا. وما بقي فهو عدّة ما مضى من الساعات المتقدّم ذكرها. وإن شئت فعدّ من المنزلة الطالعة إلى المنزلة التي تطلع في تلك الأيام مع طلوع الفجر ، وهي السابعة والعشرون (١) من منزلة الشمس ، وأسقط من حسابك أيضا واحدا وما بقي فعلى عدّته بقي من الساعات إلى طلوع الفجر.

وأما المنزلة المتوسّطة فتعدّ من منزلة الشمس إليها وتسقط من الجميع ثمانية أبدا. وما بقي فهو عدد الساعات الماضية من الليل. وإن شئت فعدّ من المنزلة المتوسّطة إلى المنزلة التي تتوسّط السماء عند طلوع الفجر ، وهي العشرون من منزلة الشمس ، وأسقط من ذلك واحدا ، فيكون الباقي عدّة ما بقي من الليل إلى طلوع الفجر.

فأمّا أوقات الليل فأوّلها العشاء ، وآخر العشاء عند مغيب الشّفق. ثم الهدوء وهو حين يهدأ الناس وينامون. والوهن ، والهزيع (٢) من أوّل الليل إلى نحو من ثلثه.

ويقال : عسعس الليل إذا أقبل بظلمته. ويكون عسعس أيضا بمعنى ولّى وأدبر ، وهو من الأضداد.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : وعشرون ، وهو غلط.

(٢) في الأصل المخطوط : الهريع ، وهو تصحيف.

 

ويقال غسق الليل وأغسق ، وغطش وأغطش ، وعشي وأعشى ، ودجا وأدجى. كلّ ذلك بمعنى أظلم. فأمّا سجا فبمعنى سكن. يقال : سجا الليل وغيره إذا سكن. قال الله عزوجل : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى)(١) وقال تعالى في غسق الليل ، وهي ظلمته : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ)(٢). وقال عزوجل : (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ)(٣) يريد الليل إذا دخل بظلمته. ومعنى «وقب» دخل. ويقال أيضا : غبش (٤) وأغبش إذا أظلم. وقيل : بل الغبس والغبش (٥) ظلمة يخالطها ضوء ، ويكون ذلك في آخر الليل وفي أوّله ، والغبس ، بالسين غير المعجمة ، أيسرهما ضوءا.

وجون الليل وسطه ، وكذلك جوز كل شيء وسطه.

وآناء الليل ساعاته ، الواحد إنّي (٦) ، وكذلك آناء النهار.

وجبهة الليل أوّل مآخيره.

والسّحر الوقت الذي يلي الفجر من الليل.

والفجر أوّل ضوء يبدو من الصباح ، وهما فجران. فالأوّل منهما يسمّى (٧) ذنب السّرحان (٨) لدقّته ، وهو بياض يرى (٩) في الأفق غير معترض ، ويسمّى

__________________

(١) سورة الضحى ٩٣ / ١ ـ ٢.

(٢) سورة الإسراء ١٧ / ٧٨.

(٣) سورة الفلق ١١٣ / ٣.

(٤) في الأصل المخطوط : عبش ، وهو تصحيف.

(٥) في الأصل المخطوط : الغبش والعبش ، وهما تصحيف.

(٦) وأني وإني أيضا (أنظر اللسان : أنى).

(٧) في الأصل المخطوط : سمي.

(٨) السرحان : الذئب.

(٩) في الأصل المخطوط : شرق.

 

الفجر الكاذب ، وهو لا يحرّم على الصائم شيئا. وأما الفجر الثاني فهو البياض المستطير المعترض في الأفق. ويسمّى الفجر الصادق ، وهو الصبح ، وبه يحلّ وقت الصلاة ، ويحرم الأكل على الصائم.

وأوقات الفجر السّدف والغلس ، وهما امتزاج سواد الليل ببياض الصبح. وكذلك الغبس والغبش أيضا (١) وقد يعبّر بالسّدف عن الظلام المحض. وكذلك الغبس والغبش. تكون هذه الألفاظ من الأضداد.

فإذا انتشر ضياء الفجر ، وانبسط نوره حتى (٢) تظهر الشخوص ، فذلك (٣) الإسفار. ويقال : قد أسفر الصبح إسفارا إذا غلب ضوأه على الظلمة. ويقال حينئذ : قد انبلج الصبح انبلاجا ، وانفلق انفلاقا ، وانصدع انصداعا. والفلق : الصبح (٤) ، وهو الصديع أيضا.

ويسمّى سواد الليل الخالص الخيط الأسود. ويسمّى الممتزج منهما البريم والشّميط ، شبّه بشمط الشّعر ، وهو اختلاط سواده ببياض الشّيب. وأما البريم فهو خيط يفتل من خيطين ، أحدهما أسود ، والآخر أبيض فشبّه به ضوء الفجر المختلط بالظلمة.

__________________

(١) شرحهما المؤلف آنفا غير بعيد.

(٢) في الأصل المخطوط : حين

(٣) في الأصل المخطوط : كذلك

(٤) في الأصل المخطوط : للصبح.