باب ذكر أزمنة السنة وفصولها وأوقات دخولها

أمّا علماء العجم وأهل الحساب فهم يجمعون على قسمة السنة أرباعا. كلّ ربع منها يسمّى فصلا. وأوّلها عند جميعهم فصل الربيع ، وابتداؤه عندهم عند حلول الشمس برأس الحمل. وبعده فصل الصيف ، ثم فصل الخريف ، ثم فصل الشتاء.

ثم اختلفوا في أوقات دخولها. فمنهم من جعل الاعتدال ، وهو وقت حلول الشمس بالحمل ودخول الربيع في أربعة وعشرين من مارسه وهو آذار. وبنوا على ذلك حساب الأزمنة. وهذا قول القدماء منهم.

ومنهم من جعل ذلك في عشرين من آذار. وهذا قول أهل الرّصد من اليونانيين. وعلى هذا المذهب جمهور الناس. وهو المذكور في أكثر كتب الأزمنة التي ألّفها علماء المسلمين. وقد روي (عن) سحنون بن سعيد (١) ، رحمه‌الله ، أنه قال : علمت الشمس فوجدت النهار يزيد قبل الميلاد بخمسة. فهذا موافق لهذا القول.

ومن الناس من يجعل الاعتدال الربيعيّ في أحد وعشرين من آذار.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : سيحون بن سعد ، وهو تصحيف.

وسحنون هو عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي (٢٤٠). وسحنون اسم طائر حديد ، لقب به لحدته في المسائل. أصله شامي من حمص ، ورحل إلى المغرب. وكان ثقة حافظا فقيها ، سلم له بالإمامة أهل عصره ، وولي القضاء في آخر عمره. ترجمته في الديباج المذهب ١٦٠ ، ووفيات الأعيان ١ / ٢٩ ، والاعلام ٤ / ١٢٩.

 

ومنهم من جعله في تسعة عشر منه.

ومن أهل الحساب من قال إن الاعتدال وحلول الشمس بالحمل في خمسة عشر من آذار. وهذا قول أهل الرصد المحدث الذي كان في الإسلام. وقد ذكر عن سحنون (١) في رواية أخرى أن النهار يزيد قبل الميلاد بتسعة أيام. وهذا مقارب لما قال هؤلاء.

وأمّا العرب فمنهم من يجعل السنة أربعة أزمنة ، كما يفعل أهل الحساب. إلّا أنهم يخالفونهم في ترتيبها وتحديد أوقاتها ، وفي تسمية بعضها ، فأوّل الأزمنة عند العرب الربيع ، ومنهم من يسمّيه الربيع الأوّل. وهو الذي يسمّيه (٢) الناس الخريف ، وإنما الخريف عند العرب المطر الذي يكون في آخر القيظ.

ودخول الربيع عندهم لثلاثة أيام تمضي من (أيلول ، ثم الشتاء ، ودخوله عندهم لثلاثة أيام تمضى من) كانون الأوّل. ثم الصيف وهو الذي يسمّيه الناس الربيع ، ومن العرب من يسمّيه الربيع الثاني ، ودخوله عندهم لخمسة أيام تمضي من آذار ثم القيظ ، وهو الذي يسمّيه الناس الصيف ، ودخوله عند العرب لأربعة أيام تمضي من حزيران (٣).

__________________

(١) في الأصل المخطوط : سيحون ، وهو تصحيف.

(٢) في الأصل المخطوط : تسميه.

(٣) أنظر لذلك كله الأنواء ١٠٣ ـ ١٠٤ ، والأزمنة ١ / ١٧٤ ـ ١٧٥ والآثار الباقية ٣٢٥ ، واللسان (ربع) وهو ينقل الكلام في ذلك عن ابن كناسة.

 

ومن العرب من يقسم السنة نصفين ، شتاء وصيفا. ويبدأ بالشتاء فيجعله أوّل القسمين ، لأنه ذكر ، ويثنّي بالصيف ، لأنه أنثى. وإنما يجعل الشتاء (١) ذكرا لمّا فيه من الأمطار (٢) التي بها يخرج النبات وتحمل الأشجار (٣). ثم يقسم الشتاء على ثلاثة ، والصيف على ثلاثة. فتكون السنة كلّها ستة أزمنة ، ثلاثة للشتاء وثلاثة للصيف. ويسمّى كلّ زمن باسم الغيث الواقع فيه ، فأوّل أزمنة الشتاء الثلاثة الوسميّ ، ثم الشتاء ، ثم الربيع ، وكلّها شتاء. وأوّل أزمنة الصيف الثلاثة الصّيّف ، مشدّد الياء ، ثم الحميم ، ثم الخريف ، وكلّها صيف.

وهذا المذهب هو الذي ذكره مالك بن أنس (٤) رحمه‌الله في كتاب النجوم المرويّ عنه. ورواه غير واحد من الرواة عن العرب. إلّا أنّ بعضهم يقول في أزمنة الشتاء : الوسميّ ، ثم الشتويّ ، ثم الدّفئيّ ، ولا يذكر الربيع.

فأمّا أوقات هذه الأزمنة السّتّة فإنها محدودة عندهم فيما ذكر مالك ، رحمه‌الله ، بسقوط المنازل وطلوعها. فلكلّ زمن منها أربع منازل وثلثان. ومدّة ذلك ستون يوما وثلثا يوم. وهم يعتدّون في أزمنة الشتاء بالسقوط ، وفي أزمنة الصيف بالطلوع. فصار حسابهم لأجل ذلك بالمنازل الشامية خاصة ساقطة وطالعة.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : الشتى ، وهو غلط.

(٢) في الأصل المخطوط : الانتظار ، وهو تصحيف.

(٣) قال ابن قتيبة في علة تأنيث الصيف : «لأن النبات يكون فيه» الأنواء ١٠٤ ، ونقل المرزوقي قول أبي حنيفة الدينوري في ذلك : «ولم يذكروا علة تذكير الشتاء وتأنيث الصيف. ولا أظنه إلا لقسوة الشتاء وشدته ، ولين الصيف وهونه. ألا ترى أن من عادتهم أن يذكروا كل صعب من الأمور قاس شديد ...» الأزمنة ١ / ١٦٨ / ١٦٩. ثم عقب المرزوقي على ذلك : «الذي قاله أبو حنيفة في ذلك حسن. وأقرب منه أن يقال : لما كان إدراك الثمار في الربيعين ، ووضع الاحمال من الملاقيح ونتائج الخير في أصناف المعاش من الزرع والضرع في الصيف ، وإن كان مباديها في أوائل الشتاء. ثم تمت حالا ، فكانت تنتظر في آجالها وقتا بعد وقت انتظار ما في بطون الحاملات ، فجعلوا الشتاء ذكرا ، والصيف أنثى» الأزمنة ١ / ١٦٩.

(٤) هو الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري ، إمام المدينة وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة (١٧٩). ترجمته في الفهرست ١٩٨ ـ ١٩٩ والديباج المذهب ١١ ـ ٣٠ ، ووفيات الأعيان ١ / ٥٥٥ ـ ٥٥٧ ، وتذكرة الحفاظ ١ / ١٩٣ ـ ١٩٨.

 

فأوّل ذلك الوسميّ ، وله من النجوم الحوت. والنّطح والبطين والثّريّا وثلثا الدّبران. فهذه سقوط هذه المنازل ، وهي (في) زمن الوسميّ. ثم الشتاء ، ونجومه ثلث الدّبران الباقي ، والهقعة ، والهنعة ، والذّراع ، والنّثرة ، وثلث (١) الطّرف. فهذه سقوط هذه (المنازل ، وهي) في زمن الشتاء. ثم الربيع ثلثا الطّرف الباقي والجبهة ، والزّبرة ، والصّرفة ، والعوّا فهذه سقوط هذه (المنازل ، وهي (في) زمن الربيع. ثم يدخل الصيف (و) يحسب بالطلوع ... (٢) ومنزله السقوط. ويعاد من أول الحوت ، فيقسم لأزمنة الصيف على نحو ما قسم لأزمنة الشتاء فتكون (٣) نجوم أزمنة الصيف هي نجوم أزمنة الشتاء بعينها ، إلا أنها في الشتاء ساقطة ، وهي في الصيف طالعة.

ومن الناس من يبتدئ في القسمة من الفرغ (٤) المؤخّر ، ويختم بالصّرفة. وهذا أشبه بمذهب العرب. حكى ابن كناسة (٥) أو غيره أنّ الوسميّ عند العرب سقوط الفرغ (٦) المؤخر إلى سقوط الثّريّا.

فهذا مذهب العرب في حساب الأزمنة.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : وثلثا ، وهو غلط.

(٢) الكلام غير متصل هاهنا ، والأغلب أن في الأصل المخطوط سقطا

(٣) في الأصل المخطوط : فيكون

(٤) في الأصل المخطوط : الفرع ، وهو تصحيف.

(٥) في الأصل المخطوط : كباشة ، وهو تصحيف.

وابن كناسة هو أبو يحيى محمد بن عبد الله ، وهو كناسة ، ابن عبد الأعلى المازني الأسدي الكوفي (٢٠٧) وذكر ابن النديم في الفهرست أن اسمه أبو محمد عبد الله ابن يحيى ، ثم أورد الرواية الأولى في اسمه. وهو عالم من الشعراء ، له كتاب في الأنواء ترجمته في الفهرست ٧٠ ـ ٧١ ، والأغاني ١٠ / ١٠٥ ـ ١١٠ وكتاب الورقة ٨١ ـ ٨٢.

(٦) في الأصل المخطوط : الفرع ، وهو تصحيف.

 

فأما الأعاجم فقد ذكرنا أن الأزمنة عندهم أربعة. وهي مقدّرة بمسير الشمس ، وحلولها في البروج. فإذا حلّت الشمس بأهل الحمل فذلك عندهم أوّل فصل الربيع. فإذا حلت الشمس بأول السّرطان فذلك أوّل فصل الصيف. وإذا حلت بأوّل برج الميزان فذلك أول فصل الخريف. وإذا حلّت بأوّل برج الجدي فذلك أول فصل الشتاء. وقد أثبتنا في هذا الموضع أوقات دخولها على المذهب الذي عليه الجمهور. وقسمنا عليها المنازل على الوجه الذي ألفه الناس. فمن ذلك :

فصل الربيع. أول فصل الربيع يوم عشرين من آذار. وعدّة أيامه أربعة وتسعون يوما. وتقطع الشمس فيه ثلاثة بروج شمالية ، وهي الحمل والثّور والتّوأمان. تقيم (١) في الحمل أحدا وثلاثين يوما ، وفي الثّور أحدا (٢) وثلاثين يوما وثلث يوم ، وفي التّوأمين أحدا وثلاثين يوما وثلثي يوم. وتقطع الشمس فيه سبع منازل شامية وهي النّطح ، والبطين ، والثّريّا ، والدّبران والهقعة ، والهنعة ، والذّراع.

ثم يدخل فصل الصيف في اثنين (٣) وعشرين من حزيران وعدّة أيامه ثلاثة وتسعون يوما. وتقطع الشمس فيه ثلاثة بروج شمالية ، وهي السّرطان والأسد والسّنبلة. تقيم في السّرطان أحدا وثلاثين يوما ونصف يوم. وفي الأسد أحدا وثلاثين يوما ، وفي السّنبلة ثلاثين يوما ونصف يوم. وتقطع فيه سبع منازل شامية ، وهي النّثرة والطّرف والجبهة والخرتان (٤) والصّرفة والعوّاء والسّماك.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : يقيم ، وهو غلط.

(٢) في الأصل المخطوط : أحد ، وهو غلط.

(٣) في الأصل المخطوط : اثني ، وهو غلط.

(٤) في الأصل المخطوط : الخرثان ، وهو تصحيف.

 

ثم يدخل فصل الخريف في ثلاثة وعشرين من أيلول. وعدّة أيامه تسعة وثمانون يوما. وتقطع الشمس فيه ثلاثة بروج جنوبية ، وهي الميزان والعقرب والقوس. تقيم في الميزان ثلاثين يوما ، وفي العقرب تسعة وعشرين يوما وثلثي يوم ، وفي القوس تسعة وعشرين (١) يوما وثلث يوم. وتقطع فيها سبع منازل يمانية ، وهي الغفر والزّبانى (٢) والإكليل والقلب والشّولة والنّعائم والبلدة.

ثم يدخل فصل الشتاء في أحد وعشرين من كانون الأوّل. وعدّة أيامه تسعة وثمانون يوما ، وإن كانت السنة كبيسة كانت أيامه تسعين يوما. وتقطع الشمس فيه ثلاثة بروج جنوبية ، وهي الجدي والدّلو والحوت. تقيم في الجدي تسعة وعشرين (٣) يوما وثلث يوم ، وفي الدّلو تسعة وعشرين (٣) يوما وثلاثة أرباع يوم وفي الحوت ثلاثين يوما وسدس يوم. وتقطع (٤) فيه سبع منازل يمانية ، وهي سعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السّعود ، وسعدف الأخبية ، والفرغان ، والسّمكة.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : وعشرون ، وهو غلط.

(٢) في الأصل المخطوط : الدناني ، وهو تصحيف.

(٣) في الأصل المخطوط : وعشرون ، وهو غلط

(٣) في الأصل المخطوط : وعشرون ، وهو غلط

(٤) في الأصل المخطوط : ويقطع ، وهو غلط.